المدخل لدراسة القانون :
إن المدخل إلى دراسة أي علم من العلوم، إنما يهدف عادة إلى التعريف بهذا العلم وإعطاء المعلومات الأولية عنه وبيان خصائصه التي تميزه عن باقي العلوم الأخرى وشرح مبادئه العامة وأفكاره الرئيسية بصورة تمهد لدراسة ذلك العلم نفسه فيما بعد. ولا شك أن المجتمع الذي تخلو ربوعه من ظلال القانون سيكون بمثابة غابة يأكل
القوي فيها الضعيف فتتعثر مسيرة الحياة، ويطغى الاضطراب وعدم التوازن فيها. وعلى العكس من ذلك يكون الأمر في المجتمع الذي يعيش تحت ظلال القانون حيث ترى التوازن بادياً فيه، إذ أن تشبع فكر أبناء ذلك المجتمع بمبادئ القانون أضفى عليه صفة الاستقرار تلك، فالإيمان بضرورة وجود القانون وحتمية الامتثال لقواعده دليل على رقي فكر المجتمع وهذا هو شأن دراستنا "لمدخل القانون"، الذي لا يعدو أن يكون دراسة تمهيدية وشرح المبادئ العامة المشتركة في العلوم القانونية لتسهل لنا نحن طلاب العلم معرفة القانون وفهمه وتساعدنا على استيعاب أبحاثنا التي تلقى علينا في مشوارنا الدراسي...ولتحقيق ذلك تطرقنا في بحثنا هذا على تبيان ماهية القانون بدراستنا للقسم الأول من أقسام القانون ألا وهو التعريف بالقانون وبيان خصائصه...حيث أستهل البحث بتحديد مفهوم القانون ثم تطرقنا إلى خصائص القاعدة القانونية خالصين إلى التمييز بين القواعد القانونية وغيرها من القواعد الاجتماعية الأخرى...فتلك أسس و مبادئ لابد من التطرق لها في دراستنا لهذا الموضوع بغية إيضاح الأحكام والمبادئ العامة التي تستند إليها القوانين بكافة فروعها...فالقانون بكل فرع من فروعه يحفظ ويحمي حقوقا متعددة للأفراد والدولة وهو يرمي إلى تنظيم المجتمع تنظيما من شأنه العمل على تحقيق الخير العام للأفراد وكافة المصلحة العامة للمجتمع ويعمل على صيانة الحريات للأفراد ومصالحها الخاصة، فالقانون أمر لابد منه، ولا يتسنى لمجتمـــع من المجتمعات مهما كانـــت درجة ثقافته أن يتملص نهائيا من وضع قواعد يمكنه من خلالها تسيير أموره. بناءاً على ما تقدم من حتمية وجود القانون في المجتمعات نعرف أن هناك أسباباً لنشأة القانون، ولنــــا أن نتساءل لماذا بات وجود القانون ضرورة حتمية في المجتمع البشري؟..
المبحث الأول
تحديد مفهوم القانون
المطلب الأول: أصل كلمة قانون
إن كلمة "قانون" كلمة معربة يرجع أصلها إلى اللغة اليونانية فهي مأخوذة من الكلمة اليونانية Kanun ومعناها العصا المستقيمة أي النظام أو المبدأ أو الاستقامة في القواعد القانونية، وقد انتقلت هذه الكلمة إلى عدة لغات الفرنسية Droit والإيطالية Diricto واللاتينية Directus والإنجليزية Law، مما سبق يتضح لنا أن كلمة القانون تستخدم كمعيار لقياس مدى احترام الفرد لما تأمر به القاعدة أو تنهاه عنه أو انحراف عن ذلك فإن هو سار وفقا لمقتضاه كان سلوكه مستقيما وإن هو تمرد عنها منحنيا غير مستقيم.
مدلول كلمة قانون: يطلق مصطلح القانون على كل قاعدة ثابتة تفيد استمرار أمر معين وفقا لنظام ثابت فهو يستخدم للإشارة إلى العلاقة التي تحكم الظواهر الطبيعية أو للإشارة إلى العلاقة التي تحكم قواعد السلوك فيقال مثلا قانون الجاذبية وقانون الغليان وقانون العرض والطلب إلا أنه في مجال العلوم الاجتماعية وبصفة خاصة في مجال الدراسات القانونية ينصرف اصطلاح القانون بصفة عامة إلى مجموعة القواعد التي تطبق على الأشخاص في علاقاتهم الاجتماعية ويفرض عليهم احترامها ومراعاتها في سلوكهم بغية تحقيق النظام في المجتمع. ويمكن تعريف القانون بمعناه الواسع ثم تعريفه بمعناه الضيق...
المطلب الثاني: القانون بمعناه الواسع و بمعناه الضيق
القانون بمعناه الواسع: مجموعة القواعد العامة المجردة التي تهدف إلى تنظيم سلوك الأفراد داخل المجتمع، والمقترنة بجزاء توقعه السلطة العامة جبرا على من يخالفها. وهذا التعريف يشمل معه أيضا القواعد المعمول بها في المجتمع حتى لو كانت من قبيل العرف أو الدين أو الفقه أو القضاء.
القانون بمعناه الضيق: هو مجموعة القواعد الملزمة التي تصدرها السلطة التشريعية لتنظيم علاقات الأفراد ببعضهم أو علاقاتهم بالدولة في أحد مجالات الحياة الاجتماعية
المبحث الثاني
خصائص القاعدة القانونية
القاعدة القانونية تعتبر الخلية الأساسية التي يتألف منها القانون بمعناه العام. وهي خطاب موجه إلى الأشخاص في صيغة عامة له قوة الإلزام
المطلب الأول: القانون مجموعة من القواعد الاجتماعية
القانون ظاهرة اجتماعية فلا قانون بلا مجتمع إذ هو تلك المجموعة من القواعد السلوكية التي تنشأ لتنظيم سلوك الأفراد داخل المجتمع ليفض ما قد ينشأ بينهم من تضارب ويحل ما عسى أن يثور بينهم من خلافات بحيث أنه إذا لم يوجد مجتمع فلا تقوم الحاجة إلى القانون، ويستوي أن يكون مصدر هذه القواعد هو التشريع أو مصدر قانوني نعترف به. وهذا القانون الموجه إلى الأشخاص إما أن يتضمن أمرا لهم بالقيام بفعل معين، أو نهيا عن القيام به، أو مجرد إباحة هذا الفعل دون أمر به أو نهي عنه. وفى إطار المجتمع الإنساني فإن المقصود بالمجتمع هنا ليس هو مجرد اجتماع عدد من الأشخاص لقضاء حاجة ما كالاستمتاع بمنظر طبيعي، أو مشاهدة عرض معين، ولكن
المقصود بالمجتمع الذي على قدر معين من الاستقرار أي المجتمع السياسي المنظم الذي يخضع أفراده لسيادة سلطة عامة تملك عليهم حق الجبر والقهر حتى ولو لم يتخذ هذا التنظيم السياسي شكل الدولة بمعناها الحديث. كما أن القانون لا يهتم بسلوك الإنسان إلا فيما يتصل بتنظيم العلاقات بين الأفراد داخل المجتمع أي السلوك المتصل بالجماعة دون غيره من أنواع السلوك الأخرى التي ليست لها ذات الصفة.
المطلب الثاني: القاعدة القانونية عامة ومجردة
وتعني أنه يجب أن تكون موجهة للعامة بصفاتهم لا بذاتهم، وإذا كان الغرض منه هو تنظيم الوقائع فإنه يجب أن ينظمها لا بعينها ولكن بشروطها وأوصافها. ومعنى ذلك أن القاعدة القانونية يجب أن لا تخص شخصا معينا بالذات أو تتعلق بحادثة معينة، بل يجب أن تكون قابلة للتطبيق على كل من يمكن أن تتوافر فيهم الصفات والشروط التي تنص عليها. ولا يخل بعمومية القاعدة القانونية أن توجد قواعد تخاطب فئات معينة من الناس كالتجار أو المحامين أو الأطباء أو المهندسين أو الصحفيين. لأن هذه القوانين قابلة لأن تنطبق على فرد في المجتمع إذا توافرت فيه الصفة التي حددتها كشرط لتوجيه الخطاب، كما أنها تخاطب أفراد هذه الفئات بصفاتهم لا بذاتهم.
المطلب الثالث: القاعدة القانونية ملزمة
أي أن القاعدة القانونية يجب أن تتصف بالصبغة الإلزامية ونقصد بذلك أن يكون للقاعدة القانونية مؤيد أو جزاء، بحيث يجبر الأشخاص على إتباعها ويفرض عليهم احترامها ولو بالقوة عند الاقتضاء. ويتميز الجزاء القانوني بأنه مادي ملموس ويتمثل في كافة الوسائل والإجراءات التي تتخذها الدولة، ممثلة في سلطاتها المختلفة لضمان نفاذ المخالفة أصلاً، أو عن طريق معالجة الوضع الذي أدت إليه المخالفة أو عن طريق ردع من قام بمخالفة القانون وإعادة إصلاحه. وإلزام القاعدة القانونية هو الخاصية التي تميزها عن قواعد الأخلاق والدين. ولهذا نقول بأن القواعد القانونية تكون دائما ملزمة للأشخاص و تبرز خاصية الإلزام في الجزاء الذي يوقع على من يخالف تلك القاعدة القانونية.
المبحث الثالث
التمييز بين القواعد القانونية وغيرها من القواعد الاجتماعية الأخرى
إذا كان القانون يهدف إلى تنظيم سلوك الأفراد داخل المجتمع فليس هو وحده الذي يهدف إلى ذلك، إذ توجد إلى جواره قواعد أخرى تصبو لتحقيق ذات الهدف أهمها قواعد الدين وقواعد المجاملات وقواعد الأخلاق من ناحية أخرى.
المطلب الأول: القواعد القانونية وقواعد المجاملات والعادات
تعتبر قواعد المجاملات والعادات والتقاليد مبادئ سلوك يراعيها الناس في علاقاتهم اليومية كتبادل التهاني في المناسبات السعيدة مع الأهل والأصدقاء، ومبادلتهم شعور الحزن والتعزية في المناسبات المؤلمة والكوارث وتبادل التحية عند اللقاء وغير ذلك من العادات المستقرة في ذهن الجماعة. إن هذه القواعد تختلف عن القواعد القانونية من حيث الغاية والجزاء فالغاية من قواعد القانون هي تحقيق المصلحة العامة والحفاظ على كيان المجتمع أما المجاملات فهي علاقات تبادلية لا ترقى إلى تحقيق الخير العام بل تقتصر على تحقيق غايات جانبية يؤدي عدم تحقيقها إلى الانتقاص من المصلحة العامة واضطراب المجتمع. أما من حيث الجزاء فإن الخروج عن قواعد المجاملات يؤدي إلى تدخل السلطة العامة لإجبار الأفراد على احترامها كما هو الشأن بالنسبة للقواعد القانونية.
المطلب الثاني: القواعد القانونية والأخلاقية
قواعد الأخلاق هي قواعد سلوكية اجتماعية يعتبرها غالبية الناس قواعد سلوك ملزمة ينبغي على الأفراد احترامها وإلا استحقوا سخط الناس، فهذه القواعد تهدف إلى فعل الخير والوفاء بالعهود وغيرها من المثل العليا في المجتمع، إن هذه القواعد تختلف عن القواعد القانونية من حيث الغاية والجزاء، من حيث الغاية القانون يهدف إلى تحقيق غاية نفعية هي حفظ النظام داخل المجتمع، أما الأخلاق فهي تهدف إلى تحقيق غاية مثالية لأنها تهدف إلى الارتقاء بالسلوك الإنساني إلى المستوى النموذجي الذي ينبغي أن يكون عليه هذا السلوك، فالقاعدة
القانونية تنظم سلوك الأفراد في المجتمع مستهدفة حفظ النظام والاستقرار ومراعية في ذلك ما هو كائن بالفعل، ومتخذة من الشخص
العادي نموذجا لها، أما قواعد الأخلاق فتهدف إلى السمو بالإنسان نحو الكمال، لذلك فهي ترسم نموذجا للشخص الكامل على أساس ما يجب أن يكون لا على أساس ما هو كائن بالفعل. أما من حيث الجزاء فالجزاء القانوني جزاء مادي، محسوس توقعه السلطة العامة، أما الجزاء الأخلاقي فجزاء معنوي يتمثل إما في تأنيب الضمير فيوقعه بذلك المرء على نفسه، وإما في سخط الجماعة واحتقارها للمخالف فتوقعه بذلك الجماعة على من يخرج على الناموس الذي وضعته لنفسها.
المطلب الثالث: القاعدة القانونية وقواعد الدين
يقصد بالدين مجوعة الأحكام والأوامر والنواهي التي أقرتها الشرائع السماوية والمنزلة على الأنبياء والرسل قصد تبليغها للناس للعمل بها. وتختلف القواعد القانونية في الدين من حيث الغاية والجزاء فغاية الأحكام الدينية هي أن الدين بالإضافة إلى اهتمامه بتنظيم سلوك الأفراد داخل المجتمع فهو ينظم أيضا علاقة المرء بربه، وعلاقة المرء بنفسه، كما أنه يحاسب الإنسان على نواياه المحضة فإن كانت خيرا كتبت لصاحبها خيراً، وإن كانت شرا أحصيت عليه شرا مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى.."، أما غاية القانون نفعية لأن قواعده تهدف إلى تنظيم سلوك الأفراد لتحقيق المساواة والأمن بين أفراد المجتمع. أما من حيث الجزاء فإذا كانت كل من قواعد الدين وقواعد القانون لها جزاء يوقع عند مخالفة أي منهما، إلا أن مضمون هذا الجزاء يختلف في الأولى عن الثانية. فالجزاء القانوني جزاء دنيوي - مادي - حال توقعه السلطة العامة، أما الجزاء الديني فهو جزاء في الآخرة (وقد يصاحبه جزاء دنيوي) مؤجل يوقعه الله سبحانه وتعالى على المخالف.
قواعد المجاملات والعادات الإجتماعية والقواعد القانونية
تعد قواعد المجاملات والعادات الاجتماعية من القواعد التي تهتم في ضبط سلوك الفرد في مجتمعه والتي اندرج على إتباعها في علاقاته وصلاته مع غيره كتبادل الزيارات والدعوات وتقديم الهدايا في المناسبات ..الخ .
*أوجه الشبه بينها وبين القواعد القانونية( كلاهما يتوجه بالخطاب إلى الأفراد بتقريرهما لسلوك خارجي اجتماعي).
*أوجه الاختلاف بينها وبين القواعد القانونية(يكمن في الجزاء ..فالجزاء في قواعد المجاملات والعادات الاجتماعية يتمثل في مظهر أدبي معنوي مقتصر على الاستهجان واللوم من الناس لمن خالف تلك القواعد بينما الجزاء في القاعدة القانونية يكون مادي محسوس يوقع من السلطة العامة.
المبحث الثاني :أنواع القواعد القانونية
القواعد القانونية متنوعة وتتحدد طبقاً للأساس التي تبنى عليه على النحو التالي:
أ-من حيث النطاق الإقليمي للقاعدة القانونية (تصنف إلى قانون داخلي لا يتعدى حيّز تطبيقه حدود إقليم الدولة التي أصدرته …وقانون خارجي يتجاوز تطبيقه على حكم علاقات خارج إقليم الدولة فتكون خاضعة لقواعد القانون الدولي).
ب- من حيث المصدر أو الشكل ( تكون قواعد تشريع عندما تصاغ القواعد القانونية في نصوص مكتوبة …وقواعد عرفية مستمده من العرف ويكون مصدرها غير مكتوب وإنما ما تعارف عليه الناس).
ج-من حيث المضمون ( تقسم إلى قواعد موضوعية تنظم العلاقات تنظيماً موضوعياً يمس بيان الحقوق والواجبات وكيفية نشوئها ومباشرتها وانقضائها كقواعد القانون المدني والتجاري والجنائي والدستوري وغيرها).
د- من حيث الإجراء (تكون قواعد شكلية يتعين إتباعها للوصول إلى ضمان احترام القواعد الموضوعية وحسن تطبيقها وحماية الحقوق التي تنظمها ومثال ذلك قواعد المرافعات المدنية (يقابلها في السعودية نظام المرافعات الشرعية) والتجارية وغيرها).
هـ - من حيث الأشخاص المخاطبين بها ( فتقسم إلى قواعد داخله في نطاق القانون العام من جهة وقواعد منتمية إلى القانون الخاص من جهة أخرى).
و- من حيث الإلزام (قواعد آمره لا يجوز الاتفاق على مخالفتها وقواعد مكمله أو مفسره وهذه التي يجوز للأفراد الخروج عن حكمها بالاتفاق على خلافها). (سنتطرق لشرح القواعد الآمرة والمكلمة فيما بعد).
المطلب الأول :تقسيم قواعد القانون إلى قواعد القانون العام وقواعد القانون الخاص
يعد تصنيف القانون على أساس قواعد تنتمي إلى القانون العام والقانون الخاص من أهم وأقدم التقسيمات فهي تعود إلى القانون الروماني وأخذت به التشريعات والمصنفات الفقهية الحديثة غير أن التشريعات الأنجلوسكسونية لا تعترف بهذا التقسيم فجميع العلاقات القانونية فيها تخضع لأحكام قانون واحد دون أن تفرق أحكامها بين ما يدخل في قواعد القانون العام أو الخاص.
أولا : أساس التفرقة بين القانون العام والقانون الخاص
بعيداً عن الإسهاب الغير مبرر ..نقول وبشكل مختصر جداً ..أساس التفرقة بين القانون العام والقانون الخاص هو وجود الدولة (متمثله بإحدى مؤسساتها الحكومية) في أي علاقة تنشأ سواء بين مؤسساتها أو بين الأفراد ..ومثال ذلك لتقريب الفهم نقول (لو قام خالد بشراء قطعة ارض بجوار بيته يعود ملكيتها لأحمد فأن علاقة البيع هنا يحكمها قواعد القانون الخاص ..وفي حالة قامت الدولة بشراء قطعة الأرض من احمد فأن قواعد القانون العام هي من تحكم العلاقة)….والسبب هنا هو دخول الدولة متمثلة بإحدى مؤسساتها مثل (الصحة أو وزارة التعليم العالي أو المواصلات) في العلاقة بصفتها صاحبة سيادة والسلطة الراعية لتحقيق المصلحة العامة،وعلى العكس لو فرضناً مثلاً دخول الدولة في علاقة مع الأفراد ولكن في هذه العلاقة مارست الدولة نشاطاً مثل نشاط الأفراد فأي القواعد القانونية تحكم هذه العلاقة ؟ هل هي قواعد القانون العام أم الخاص ؟؟ للإجابة على هذا السؤال …نطرح مثالاً للفهم ( قامت مؤسسة النقد السعودي ببيع قطعة ارض تملكها على طريق مطار الملك خالد الدولي..وقامت شركة الراجحي بشراء هذه الأرض لغايات الاستثمار)….نقول أن قواعد القانون الخاص هي التي تحكم العلا قه بين مؤسسة النقد وشركة الراجحي والسبب بسيط جداً هو عدم دخول الدولة بسلطتها كصاحبة سيادة وممارستها في هذا الفرض لنشاط يشابه نشاط الأفراد،وهي تختلف هنا عن مثالنا الأول في قطعة الأرض المملوكة لأحمد عندما اشترتها لأغراض المنفعة العامة أما لأقامه مستشفى فيها أو مبنى حكومي تابع لها يقدم خدماته للمواطنين.
ثانياً :تقسيمات فروع القانون
الفقه القانوني يقسم فروع القانون إلى قسمين رئيسين هما القانون العام والقانون الخاص ولكل من هذين القسمين فروع ينظم نوعاً متميزاً من العلاقات…على النحو التالي :-
1-القانون العام :
المحور الأساسي في القانون العام هو وجود الدولة في العلاقة باعتبارها صاحبة سيادة وينقسم إلى نوعين هما :
أ-القانون العام الخارجي وهو ما يعرف بالقانون الدولي العام والذي يتمثل في وجود الدولة فيه بدخولها في علاقة مع غيرها من الدول (مثل علاقة السعودية مع فرنسا) أو مع الهيئات الدولية (مثل علاقة السعودية مع هيئة الأمم المتحدة) أو مع منظمات دولية (مثل علاقة السعودية مع منظمة الصحة العالمية وغيرها).
ب-القانون العام الداخلي وهو الذي يتحدد وجود الدولة فيه في نوعية علاقته أما بكونها صاحبة سيادة (ومثالها السابق بيع احمد قطعة أرضه لإقامة الدولة مستشفى عليها) أو كونها تمارس نشاطاً يشبه نشاط الأفراد وهنا تنازل فيه عن سلطتها (ومثاله السابق بيع مؤسسة النقد قطعة الأرض لشركة الراجحي).
ويندرج تحت تقسيم القانون العام الداخلي كلاً من القانون الدستوري والقانون الإداري والقانون المالي والقانون الجنائي .
2-القانون الخاص :
المحور الأساسي للقانون الخاص هو عدم وجود الدولة في العلا قه على اعتبارها صاحبة سيادة (كما ذكرنا في الأمثلة السابقة) فهو يحكم جميع علاقات الأفراد فيما بينهم وعلاقة الدولة بالأفراد في حالة ممارستها لأنشطة تشابه أنشطة الأفراد في المعاملات..ويعتبر القانون المدني هو حجر الأساس للقانون الخاص فمن رحمه ولد القانون التجاري والبحري والجوي وقانون العمل وقانون المرافعات المدنية والتجارية والقانون الدولي الخاص..فجميع هذه القوانين ولادتها من القانون المدني إلا أن الضرورات اقتضت انفرادها ببعض أنواع العلاقات والتي كانت بحاجه ماسه لاستحداث قواعد تحكم خصوصيتها.
ملاحظه هامه :تعمدت عدم الإسهاب في شرح ماهية بعض القوانين(مثل المدني والتجاري وغيره من التقسيمات الفرعية للتقسيمات الأصلية) وإنما اكتفيت في التقسيمات الفقهية وهي الحجر الأساس وما تبقى فهو يعتمد على المطالعة فقط دون حفظ.
المطلب الثاني :تقسيم القواعد القانونية من حيث قوتها الملزمة
تنقسم إلى نوعين هما: ( هذا الموضوع يحتاج إلى فهم لا للحفظ).المبحث الأول :القواعد الآمرة والمكلمة
أولاً :القـــــــــــواعد الآمــــــــــرة:
قبل الحديث عن القواعد الآمرة لابد لنا أن نفهم ما المقصود بالأمر يقصد بالأمر هو أما بأتباع سلوك معين أو حظر سلوك معين،وعليه فأن القواعد الآمرة هي التي تجبر الأفراد على إتباع سلوك معين أو حظره دون أن يكون للأفراد الاتفاق على مخالفتها واستبعاد حكمها بينهم
ملاحظه مهمة : أي اتفاق بخلاف ما تأمر به القاعدة الآمرة يعتبر باطل على طول الخط ما فيها نقاش !!!
• هذا كل ما في القاعدة الآمرة ولا أكثر من ذلك ولا اقل ….الآن نذهب إلى القاعدة المكلمة و نغوص في أعماقها لنرى ما لديها !!
ثانياً: القــــــــــــواعد المكمـــــــلة:
على خلاف القاعدة الآمرة هي التي يجوز للأفراد أما أن يأخذوا ما جاء بحكمها أو جاز لهم الاتفاق على مخالفتها..ويسميها جانب من الفقه القواعد المفسرة أو المتممة وعليه فأن توزيع الأرباح والخسائر لا يطبق إلا عندما لا تفصح إرادة الشركاء في عقد الشركة عن طريقة أخرى لاقتسام الأرباح والخسائر فيما بينهم بمعنى يجوز لهم الاتفاق على عده طرق لاقتسام الأرباح والخسائر.
ملاحظه هامه : قد يسأل أحدكم ويقول ..طالما إن القاعدة المكلمة يجوز الاتفاق على مخالفتها إذا هي ليست ملزمه ؟ والجواب بالنفي طبعاً القاعدة المكلمة قاعدة ملزمه مثلها مثل القواعد الآمرة ويكمن إلزاميتيها في عدم الاتفاق على مخالفتها في الوقت الذي لا تتفق على مخالفتها فيه وتبقى على حكمها هي ملزمه لك لا بل تتعدى أطراف العلاقة ويشمل إلزاميتيها القاضي نفسه عند تطبيق حكمها على واقعة معروضة أمامه.
المبحث الثاني :معيار التفرقة بين القواعد الآمرة والقواعد المكلمة
يقوم أساس التفرقة بينهم بسيط جداً في معيارين فقط أول هذه المعايير المعيار اللفظي وثاني هذه المعايير المعيار الموضوعي ..(مشينا نتعرف على هذه المعايير ..بتعطينا أمثله على هذه المعايير ؟ أكيد طبعاً ) !!!!
أولا: المعيـــــــــــار اللفـــــــــــظي
يدور حول ماذا المعيار اللفظي ؟ الإجابة يدور حول دلالة العبارة في النص القانوني فنقول متى ما كان النص يستخدم ألفاظا مثل :لا يجوز أو يقع باطلاً ، أو يحظر ،أو يمنع ، أو يعاقب ..الخ يعني ذلك أن القاعدة القانونية هي آمرة ولازمه ولا يمكن للأفراد إمكانية الخروج عليها
وكذلك الحال بالنسبة للقاعدة المكملة فأن الألفاظ فيها تصاغ بطريقة تسمح للأفراد إمكانية العدول عنها مثل (يجوز ، لا يمنع، لا يعاقب ، ما لم يتفق على غير ذلك) ..والمثال على هذا ما جاءت به نص المادة 41 من نظام العلامات التجارية السعودي بقولها (لا يجوز للمرخص له التنازل عن الترخيص أو منح تراخيص من الباطن ما لم يتفق على غير ذلك).
ثانياً : المعيــــــــــار الموضوعي
المعيار الموضوعي الهدف منه هو الاستعانة في حالة عدم إفصاح العبارة التي صيغت بها القاعدة القانونية عن نوعها (أي آمرة أو مكلمه) ..هنا يستعان بالمعيار الموضوعي للكشف عن هوية القاعدة القانونية . ولكن كيف نستعين بالمعيار الموضوعي ؟؟ الجواب على هذا لا يحتاج إلى عقلية نيوتن ينظر إلى القاعدة القانونية بحسب (ارتباطها بمصلحة المجتمع وتنظيمه الأساسي ) ..متى ما كان الأمر يتعلق بمصلحة المجتمع نكون أمام قاعدة آمرة ..وعلى العكس متى ما كنت القاعدة القانونية تتعلق بمصالح خاصة للأفراد دون المساس بالمصالح العامة للمجتمع نكون أمام قاعدة مكملة.
ولهذا جرى الفقه القانوني على تبني مصطلح النظام العام والآداب العامة ..كأساس محدد لوصف القاعدة بأنها آمره أو مكمله فمتى ما ارتبطت القاعدة بالنظام العام والآداب العامة كنا أمام قاعدة آمره والعكس صحيح في حالة القاعدة المكملة.
والمقصود بالنظام العام والآداب العامة هي مجموعة المصالح العليا للمجتمع والتي تمس كيان الجماعة فيه ويقوم عليها بنيانها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والخلقي ..مثال ذلك (بيع الخمور في أمريكا وبريطانيا مثلاً لا يعد بيعها والاتجار فيها واستعمالها من النظام العام والآداب العامة ..وعلى العكس في السعودية لدينا والحمد لله وعليه نقول مثلاً لو قدم رجل أمريكي يدعى جورج إلى الرياض زيارة عمل وهو متخصص في مراقبة توالد الزواحف (الضبان مثلاً) فلا يمكن له أن يشرب الخمر علناً والسبب اصطدامه بالنظام العام والآداب العامة والتي تعتبر من القواعد الآمرة لأنها تمس مصالح وقيمّ المجتمع السعودي وكذلك الحال بالإفطار في نهار رمضان لغير المسلمين في السعودية)، وعلى هذا المثال نستخلص انه ما قد يعتبر من النظام العام والآداب العامة في السعودية مثلاً لا يعتمد بالضرورة كذلك في بلاد أخرى.
الفصل الثاني: مصادر القاعدة القانونية
مصادر القاعدة القانونية: التشريع (النظام) و العرف، و القواعد العامة في الشريعة الإسلامية، والسوابق القضائية، الفقه ، مبادئ القانون الطبيعي ، والقواعد العامة في العدالة.
ملاحظه :لا أجد فيها ما يستحق الشرح كلها تعتمد على الاطلاع فقط دون الحفظ .
نأتي إلى ما هو أهم في نظرية القانون وهي نطاق تطبيق القاعدة القانونية في الفصل الآتي.
الفصل الثالث: تطبيق القاعدة القانونية
لا يمكن لأي قاعدة قانونية أن تجد مكاناً للتطبيق ما لم يكن لها نطاق تسري فيه …لذا يكون نطاق تطبيقها على النحو التالي :
أولاً :نطاق تطبيق قواعد القانون من حيث الأشخاص
بمجرد خروج القاعدة القانونية إلى حيز التنفيذ فأنها تصبح ملزم لجميع المخاطبين بمضمون أحكامها ..وعليه لا يمكن للمخاطب بها أن يستند إلى جهلة بالقاعدة القانونية حتى يتحلل من تطبيق أحكامها عليه. إلا انه في حالات معينه يمكن له أن يعتد بعدم العلم بالقاعدة القانونية .
وقد يسأل البعض كيف تقول لنا تارة لا يجوز له الاعتذار بجهل القانون وتارة يجوز له ؟ والإجابة على ذلك أن نطاق تطبيق القانون بالنسبة للأشخاص المخاطبين بحكمه يستند على مبدأ أساسي هو (عدم جواز الاعتذار بجهل القانون) وهذا المبدأ هو الأصل إلا أن هذا الأصل يرد عليه استثناء قد يقع وقد لا يقع…(يا لله مشينا نتعرف على المبدأ والاستثناء معاً) .
1- مبدأ عدم جواز الاعتذار بجهل القانون:
يقصد به : لا يسمح لأي شخص مخاطب بحكم قاعدة قانونية أن يعتذر بجهله بها حتى يكون بمنأى عن تطبيق أحكامها في حقه ..وبعبارة أخرى وبمقتضى هذا المبدأ هو افتراض علم المكلفين بأحكام القانون حتى وإن لم يعلموا به فعلاً ..وعليه نضرب مثالاً (لو فرضنا صدر نظام ونشر في الجريدة الرسمية أم القرى يحظر صيد الضبان من الساعة 10 صباحاً حتى الساعة 2 ظهراً وتغريم من يصطادها في هذا الوقت عن كل ضب مائة ريال .. بحجة أن الضبان في هذا الوقت تمارس هواية الشخير المقفى بمعنى في قيلولتها ويحظر صيدها في هذا الوقت …وقام خالد بالذهاب إلى روضة خريم لممارس صيد الضبان وصادف صيده في وقت الحظر وقامت دورية من دوريات حماية الحياة الفطرية بضبطه متلبساً وفي يده خيشه مليئة بالضبان تتعدى 12 ضباً وبحسبة بسيطة وجد نفسه خالد مطالباً بـ1200 دينار..هنا نقول وفقاً لهذا المبدأ لا يمكن لخالد الاعتذار بجهله لنظام حضر صيد الضبان حتى يتسنى له الهروب من الغرامة المقررة عليه).
والحكمة من وجود هذا المبدأ وهو افتراض علم المكلفين بالقانون وعدم جواز الاعتذار بجلهم به هو استقرار المعاملات وإلا كانت الثقة في المعاملات مزعزعه وبالتالي سيهدد سير العدالة وإدارتها وذلك عندما يثقل كاهل الجهات القضائية بحمل الدعاوي المؤسسة على الزعم بعدم العلم بحكم القانون.
إن المدخل إلى دراسة أي علم من العلوم، إنما يهدف عادة إلى التعريف بهذا العلم وإعطاء المعلومات الأولية عنه وبيان خصائصه التي تميزه عن باقي العلوم الأخرى وشرح مبادئه العامة وأفكاره الرئيسية بصورة تمهد لدراسة ذلك العلم نفسه فيما بعد. ولا شك أن المجتمع الذي تخلو ربوعه من ظلال القانون سيكون بمثابة غابة يأكل
القوي فيها الضعيف فتتعثر مسيرة الحياة، ويطغى الاضطراب وعدم التوازن فيها. وعلى العكس من ذلك يكون الأمر في المجتمع الذي يعيش تحت ظلال القانون حيث ترى التوازن بادياً فيه، إذ أن تشبع فكر أبناء ذلك المجتمع بمبادئ القانون أضفى عليه صفة الاستقرار تلك، فالإيمان بضرورة وجود القانون وحتمية الامتثال لقواعده دليل على رقي فكر المجتمع وهذا هو شأن دراستنا "لمدخل القانون"، الذي لا يعدو أن يكون دراسة تمهيدية وشرح المبادئ العامة المشتركة في العلوم القانونية لتسهل لنا نحن طلاب العلم معرفة القانون وفهمه وتساعدنا على استيعاب أبحاثنا التي تلقى علينا في مشوارنا الدراسي...ولتحقيق ذلك تطرقنا في بحثنا هذا على تبيان ماهية القانون بدراستنا للقسم الأول من أقسام القانون ألا وهو التعريف بالقانون وبيان خصائصه...حيث أستهل البحث بتحديد مفهوم القانون ثم تطرقنا إلى خصائص القاعدة القانونية خالصين إلى التمييز بين القواعد القانونية وغيرها من القواعد الاجتماعية الأخرى...فتلك أسس و مبادئ لابد من التطرق لها في دراستنا لهذا الموضوع بغية إيضاح الأحكام والمبادئ العامة التي تستند إليها القوانين بكافة فروعها...فالقانون بكل فرع من فروعه يحفظ ويحمي حقوقا متعددة للأفراد والدولة وهو يرمي إلى تنظيم المجتمع تنظيما من شأنه العمل على تحقيق الخير العام للأفراد وكافة المصلحة العامة للمجتمع ويعمل على صيانة الحريات للأفراد ومصالحها الخاصة، فالقانون أمر لابد منه، ولا يتسنى لمجتمـــع من المجتمعات مهما كانـــت درجة ثقافته أن يتملص نهائيا من وضع قواعد يمكنه من خلالها تسيير أموره. بناءاً على ما تقدم من حتمية وجود القانون في المجتمعات نعرف أن هناك أسباباً لنشأة القانون، ولنــــا أن نتساءل لماذا بات وجود القانون ضرورة حتمية في المجتمع البشري؟..
المبحث الأول
تحديد مفهوم القانون
المطلب الأول: أصل كلمة قانون
إن كلمة "قانون" كلمة معربة يرجع أصلها إلى اللغة اليونانية فهي مأخوذة من الكلمة اليونانية Kanun ومعناها العصا المستقيمة أي النظام أو المبدأ أو الاستقامة في القواعد القانونية، وقد انتقلت هذه الكلمة إلى عدة لغات الفرنسية Droit والإيطالية Diricto واللاتينية Directus والإنجليزية Law، مما سبق يتضح لنا أن كلمة القانون تستخدم كمعيار لقياس مدى احترام الفرد لما تأمر به القاعدة أو تنهاه عنه أو انحراف عن ذلك فإن هو سار وفقا لمقتضاه كان سلوكه مستقيما وإن هو تمرد عنها منحنيا غير مستقيم.
مدلول كلمة قانون: يطلق مصطلح القانون على كل قاعدة ثابتة تفيد استمرار أمر معين وفقا لنظام ثابت فهو يستخدم للإشارة إلى العلاقة التي تحكم الظواهر الطبيعية أو للإشارة إلى العلاقة التي تحكم قواعد السلوك فيقال مثلا قانون الجاذبية وقانون الغليان وقانون العرض والطلب إلا أنه في مجال العلوم الاجتماعية وبصفة خاصة في مجال الدراسات القانونية ينصرف اصطلاح القانون بصفة عامة إلى مجموعة القواعد التي تطبق على الأشخاص في علاقاتهم الاجتماعية ويفرض عليهم احترامها ومراعاتها في سلوكهم بغية تحقيق النظام في المجتمع. ويمكن تعريف القانون بمعناه الواسع ثم تعريفه بمعناه الضيق...
المطلب الثاني: القانون بمعناه الواسع و بمعناه الضيق
القانون بمعناه الواسع: مجموعة القواعد العامة المجردة التي تهدف إلى تنظيم سلوك الأفراد داخل المجتمع، والمقترنة بجزاء توقعه السلطة العامة جبرا على من يخالفها. وهذا التعريف يشمل معه أيضا القواعد المعمول بها في المجتمع حتى لو كانت من قبيل العرف أو الدين أو الفقه أو القضاء.
القانون بمعناه الضيق: هو مجموعة القواعد الملزمة التي تصدرها السلطة التشريعية لتنظيم علاقات الأفراد ببعضهم أو علاقاتهم بالدولة في أحد مجالات الحياة الاجتماعية
المبحث الثاني
خصائص القاعدة القانونية
القاعدة القانونية تعتبر الخلية الأساسية التي يتألف منها القانون بمعناه العام. وهي خطاب موجه إلى الأشخاص في صيغة عامة له قوة الإلزام
المطلب الأول: القانون مجموعة من القواعد الاجتماعية
القانون ظاهرة اجتماعية فلا قانون بلا مجتمع إذ هو تلك المجموعة من القواعد السلوكية التي تنشأ لتنظيم سلوك الأفراد داخل المجتمع ليفض ما قد ينشأ بينهم من تضارب ويحل ما عسى أن يثور بينهم من خلافات بحيث أنه إذا لم يوجد مجتمع فلا تقوم الحاجة إلى القانون، ويستوي أن يكون مصدر هذه القواعد هو التشريع أو مصدر قانوني نعترف به. وهذا القانون الموجه إلى الأشخاص إما أن يتضمن أمرا لهم بالقيام بفعل معين، أو نهيا عن القيام به، أو مجرد إباحة هذا الفعل دون أمر به أو نهي عنه. وفى إطار المجتمع الإنساني فإن المقصود بالمجتمع هنا ليس هو مجرد اجتماع عدد من الأشخاص لقضاء حاجة ما كالاستمتاع بمنظر طبيعي، أو مشاهدة عرض معين، ولكن
المقصود بالمجتمع الذي على قدر معين من الاستقرار أي المجتمع السياسي المنظم الذي يخضع أفراده لسيادة سلطة عامة تملك عليهم حق الجبر والقهر حتى ولو لم يتخذ هذا التنظيم السياسي شكل الدولة بمعناها الحديث. كما أن القانون لا يهتم بسلوك الإنسان إلا فيما يتصل بتنظيم العلاقات بين الأفراد داخل المجتمع أي السلوك المتصل بالجماعة دون غيره من أنواع السلوك الأخرى التي ليست لها ذات الصفة.
المطلب الثاني: القاعدة القانونية عامة ومجردة
وتعني أنه يجب أن تكون موجهة للعامة بصفاتهم لا بذاتهم، وإذا كان الغرض منه هو تنظيم الوقائع فإنه يجب أن ينظمها لا بعينها ولكن بشروطها وأوصافها. ومعنى ذلك أن القاعدة القانونية يجب أن لا تخص شخصا معينا بالذات أو تتعلق بحادثة معينة، بل يجب أن تكون قابلة للتطبيق على كل من يمكن أن تتوافر فيهم الصفات والشروط التي تنص عليها. ولا يخل بعمومية القاعدة القانونية أن توجد قواعد تخاطب فئات معينة من الناس كالتجار أو المحامين أو الأطباء أو المهندسين أو الصحفيين. لأن هذه القوانين قابلة لأن تنطبق على فرد في المجتمع إذا توافرت فيه الصفة التي حددتها كشرط لتوجيه الخطاب، كما أنها تخاطب أفراد هذه الفئات بصفاتهم لا بذاتهم.
المطلب الثالث: القاعدة القانونية ملزمة
أي أن القاعدة القانونية يجب أن تتصف بالصبغة الإلزامية ونقصد بذلك أن يكون للقاعدة القانونية مؤيد أو جزاء، بحيث يجبر الأشخاص على إتباعها ويفرض عليهم احترامها ولو بالقوة عند الاقتضاء. ويتميز الجزاء القانوني بأنه مادي ملموس ويتمثل في كافة الوسائل والإجراءات التي تتخذها الدولة، ممثلة في سلطاتها المختلفة لضمان نفاذ المخالفة أصلاً، أو عن طريق معالجة الوضع الذي أدت إليه المخالفة أو عن طريق ردع من قام بمخالفة القانون وإعادة إصلاحه. وإلزام القاعدة القانونية هو الخاصية التي تميزها عن قواعد الأخلاق والدين. ولهذا نقول بأن القواعد القانونية تكون دائما ملزمة للأشخاص و تبرز خاصية الإلزام في الجزاء الذي يوقع على من يخالف تلك القاعدة القانونية.
المبحث الثالث
التمييز بين القواعد القانونية وغيرها من القواعد الاجتماعية الأخرى
إذا كان القانون يهدف إلى تنظيم سلوك الأفراد داخل المجتمع فليس هو وحده الذي يهدف إلى ذلك، إذ توجد إلى جواره قواعد أخرى تصبو لتحقيق ذات الهدف أهمها قواعد الدين وقواعد المجاملات وقواعد الأخلاق من ناحية أخرى.
المطلب الأول: القواعد القانونية وقواعد المجاملات والعادات
تعتبر قواعد المجاملات والعادات والتقاليد مبادئ سلوك يراعيها الناس في علاقاتهم اليومية كتبادل التهاني في المناسبات السعيدة مع الأهل والأصدقاء، ومبادلتهم شعور الحزن والتعزية في المناسبات المؤلمة والكوارث وتبادل التحية عند اللقاء وغير ذلك من العادات المستقرة في ذهن الجماعة. إن هذه القواعد تختلف عن القواعد القانونية من حيث الغاية والجزاء فالغاية من قواعد القانون هي تحقيق المصلحة العامة والحفاظ على كيان المجتمع أما المجاملات فهي علاقات تبادلية لا ترقى إلى تحقيق الخير العام بل تقتصر على تحقيق غايات جانبية يؤدي عدم تحقيقها إلى الانتقاص من المصلحة العامة واضطراب المجتمع. أما من حيث الجزاء فإن الخروج عن قواعد المجاملات يؤدي إلى تدخل السلطة العامة لإجبار الأفراد على احترامها كما هو الشأن بالنسبة للقواعد القانونية.
المطلب الثاني: القواعد القانونية والأخلاقية
قواعد الأخلاق هي قواعد سلوكية اجتماعية يعتبرها غالبية الناس قواعد سلوك ملزمة ينبغي على الأفراد احترامها وإلا استحقوا سخط الناس، فهذه القواعد تهدف إلى فعل الخير والوفاء بالعهود وغيرها من المثل العليا في المجتمع، إن هذه القواعد تختلف عن القواعد القانونية من حيث الغاية والجزاء، من حيث الغاية القانون يهدف إلى تحقيق غاية نفعية هي حفظ النظام داخل المجتمع، أما الأخلاق فهي تهدف إلى تحقيق غاية مثالية لأنها تهدف إلى الارتقاء بالسلوك الإنساني إلى المستوى النموذجي الذي ينبغي أن يكون عليه هذا السلوك، فالقاعدة
القانونية تنظم سلوك الأفراد في المجتمع مستهدفة حفظ النظام والاستقرار ومراعية في ذلك ما هو كائن بالفعل، ومتخذة من الشخص
العادي نموذجا لها، أما قواعد الأخلاق فتهدف إلى السمو بالإنسان نحو الكمال، لذلك فهي ترسم نموذجا للشخص الكامل على أساس ما يجب أن يكون لا على أساس ما هو كائن بالفعل. أما من حيث الجزاء فالجزاء القانوني جزاء مادي، محسوس توقعه السلطة العامة، أما الجزاء الأخلاقي فجزاء معنوي يتمثل إما في تأنيب الضمير فيوقعه بذلك المرء على نفسه، وإما في سخط الجماعة واحتقارها للمخالف فتوقعه بذلك الجماعة على من يخرج على الناموس الذي وضعته لنفسها.
المطلب الثالث: القاعدة القانونية وقواعد الدين
يقصد بالدين مجوعة الأحكام والأوامر والنواهي التي أقرتها الشرائع السماوية والمنزلة على الأنبياء والرسل قصد تبليغها للناس للعمل بها. وتختلف القواعد القانونية في الدين من حيث الغاية والجزاء فغاية الأحكام الدينية هي أن الدين بالإضافة إلى اهتمامه بتنظيم سلوك الأفراد داخل المجتمع فهو ينظم أيضا علاقة المرء بربه، وعلاقة المرء بنفسه، كما أنه يحاسب الإنسان على نواياه المحضة فإن كانت خيرا كتبت لصاحبها خيراً، وإن كانت شرا أحصيت عليه شرا مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى.."، أما غاية القانون نفعية لأن قواعده تهدف إلى تنظيم سلوك الأفراد لتحقيق المساواة والأمن بين أفراد المجتمع. أما من حيث الجزاء فإذا كانت كل من قواعد الدين وقواعد القانون لها جزاء يوقع عند مخالفة أي منهما، إلا أن مضمون هذا الجزاء يختلف في الأولى عن الثانية. فالجزاء القانوني جزاء دنيوي - مادي - حال توقعه السلطة العامة، أما الجزاء الديني فهو جزاء في الآخرة (وقد يصاحبه جزاء دنيوي) مؤجل يوقعه الله سبحانه وتعالى على المخالف.
قواعد المجاملات والعادات الإجتماعية والقواعد القانونية
تعد قواعد المجاملات والعادات الاجتماعية من القواعد التي تهتم في ضبط سلوك الفرد في مجتمعه والتي اندرج على إتباعها في علاقاته وصلاته مع غيره كتبادل الزيارات والدعوات وتقديم الهدايا في المناسبات ..الخ .
*أوجه الشبه بينها وبين القواعد القانونية( كلاهما يتوجه بالخطاب إلى الأفراد بتقريرهما لسلوك خارجي اجتماعي).
*أوجه الاختلاف بينها وبين القواعد القانونية(يكمن في الجزاء ..فالجزاء في قواعد المجاملات والعادات الاجتماعية يتمثل في مظهر أدبي معنوي مقتصر على الاستهجان واللوم من الناس لمن خالف تلك القواعد بينما الجزاء في القاعدة القانونية يكون مادي محسوس يوقع من السلطة العامة.
المبحث الثاني :أنواع القواعد القانونية
القواعد القانونية متنوعة وتتحدد طبقاً للأساس التي تبنى عليه على النحو التالي:
أ-من حيث النطاق الإقليمي للقاعدة القانونية (تصنف إلى قانون داخلي لا يتعدى حيّز تطبيقه حدود إقليم الدولة التي أصدرته …وقانون خارجي يتجاوز تطبيقه على حكم علاقات خارج إقليم الدولة فتكون خاضعة لقواعد القانون الدولي).
ب- من حيث المصدر أو الشكل ( تكون قواعد تشريع عندما تصاغ القواعد القانونية في نصوص مكتوبة …وقواعد عرفية مستمده من العرف ويكون مصدرها غير مكتوب وإنما ما تعارف عليه الناس).
ج-من حيث المضمون ( تقسم إلى قواعد موضوعية تنظم العلاقات تنظيماً موضوعياً يمس بيان الحقوق والواجبات وكيفية نشوئها ومباشرتها وانقضائها كقواعد القانون المدني والتجاري والجنائي والدستوري وغيرها).
د- من حيث الإجراء (تكون قواعد شكلية يتعين إتباعها للوصول إلى ضمان احترام القواعد الموضوعية وحسن تطبيقها وحماية الحقوق التي تنظمها ومثال ذلك قواعد المرافعات المدنية (يقابلها في السعودية نظام المرافعات الشرعية) والتجارية وغيرها).
هـ - من حيث الأشخاص المخاطبين بها ( فتقسم إلى قواعد داخله في نطاق القانون العام من جهة وقواعد منتمية إلى القانون الخاص من جهة أخرى).
و- من حيث الإلزام (قواعد آمره لا يجوز الاتفاق على مخالفتها وقواعد مكمله أو مفسره وهذه التي يجوز للأفراد الخروج عن حكمها بالاتفاق على خلافها). (سنتطرق لشرح القواعد الآمرة والمكلمة فيما بعد).
المطلب الأول :تقسيم قواعد القانون إلى قواعد القانون العام وقواعد القانون الخاص
يعد تصنيف القانون على أساس قواعد تنتمي إلى القانون العام والقانون الخاص من أهم وأقدم التقسيمات فهي تعود إلى القانون الروماني وأخذت به التشريعات والمصنفات الفقهية الحديثة غير أن التشريعات الأنجلوسكسونية لا تعترف بهذا التقسيم فجميع العلاقات القانونية فيها تخضع لأحكام قانون واحد دون أن تفرق أحكامها بين ما يدخل في قواعد القانون العام أو الخاص.
أولا : أساس التفرقة بين القانون العام والقانون الخاص
بعيداً عن الإسهاب الغير مبرر ..نقول وبشكل مختصر جداً ..أساس التفرقة بين القانون العام والقانون الخاص هو وجود الدولة (متمثله بإحدى مؤسساتها الحكومية) في أي علاقة تنشأ سواء بين مؤسساتها أو بين الأفراد ..ومثال ذلك لتقريب الفهم نقول (لو قام خالد بشراء قطعة ارض بجوار بيته يعود ملكيتها لأحمد فأن علاقة البيع هنا يحكمها قواعد القانون الخاص ..وفي حالة قامت الدولة بشراء قطعة الأرض من احمد فأن قواعد القانون العام هي من تحكم العلاقة)….والسبب هنا هو دخول الدولة متمثلة بإحدى مؤسساتها مثل (الصحة أو وزارة التعليم العالي أو المواصلات) في العلاقة بصفتها صاحبة سيادة والسلطة الراعية لتحقيق المصلحة العامة،وعلى العكس لو فرضناً مثلاً دخول الدولة في علاقة مع الأفراد ولكن في هذه العلاقة مارست الدولة نشاطاً مثل نشاط الأفراد فأي القواعد القانونية تحكم هذه العلاقة ؟ هل هي قواعد القانون العام أم الخاص ؟؟ للإجابة على هذا السؤال …نطرح مثالاً للفهم ( قامت مؤسسة النقد السعودي ببيع قطعة ارض تملكها على طريق مطار الملك خالد الدولي..وقامت شركة الراجحي بشراء هذه الأرض لغايات الاستثمار)….نقول أن قواعد القانون الخاص هي التي تحكم العلا قه بين مؤسسة النقد وشركة الراجحي والسبب بسيط جداً هو عدم دخول الدولة بسلطتها كصاحبة سيادة وممارستها في هذا الفرض لنشاط يشابه نشاط الأفراد،وهي تختلف هنا عن مثالنا الأول في قطعة الأرض المملوكة لأحمد عندما اشترتها لأغراض المنفعة العامة أما لأقامه مستشفى فيها أو مبنى حكومي تابع لها يقدم خدماته للمواطنين.
ثانياً :تقسيمات فروع القانون
الفقه القانوني يقسم فروع القانون إلى قسمين رئيسين هما القانون العام والقانون الخاص ولكل من هذين القسمين فروع ينظم نوعاً متميزاً من العلاقات…على النحو التالي :-
1-القانون العام :
المحور الأساسي في القانون العام هو وجود الدولة في العلاقة باعتبارها صاحبة سيادة وينقسم إلى نوعين هما :
أ-القانون العام الخارجي وهو ما يعرف بالقانون الدولي العام والذي يتمثل في وجود الدولة فيه بدخولها في علاقة مع غيرها من الدول (مثل علاقة السعودية مع فرنسا) أو مع الهيئات الدولية (مثل علاقة السعودية مع هيئة الأمم المتحدة) أو مع منظمات دولية (مثل علاقة السعودية مع منظمة الصحة العالمية وغيرها).
ب-القانون العام الداخلي وهو الذي يتحدد وجود الدولة فيه في نوعية علاقته أما بكونها صاحبة سيادة (ومثالها السابق بيع احمد قطعة أرضه لإقامة الدولة مستشفى عليها) أو كونها تمارس نشاطاً يشبه نشاط الأفراد وهنا تنازل فيه عن سلطتها (ومثاله السابق بيع مؤسسة النقد قطعة الأرض لشركة الراجحي).
ويندرج تحت تقسيم القانون العام الداخلي كلاً من القانون الدستوري والقانون الإداري والقانون المالي والقانون الجنائي .
2-القانون الخاص :
المحور الأساسي للقانون الخاص هو عدم وجود الدولة في العلا قه على اعتبارها صاحبة سيادة (كما ذكرنا في الأمثلة السابقة) فهو يحكم جميع علاقات الأفراد فيما بينهم وعلاقة الدولة بالأفراد في حالة ممارستها لأنشطة تشابه أنشطة الأفراد في المعاملات..ويعتبر القانون المدني هو حجر الأساس للقانون الخاص فمن رحمه ولد القانون التجاري والبحري والجوي وقانون العمل وقانون المرافعات المدنية والتجارية والقانون الدولي الخاص..فجميع هذه القوانين ولادتها من القانون المدني إلا أن الضرورات اقتضت انفرادها ببعض أنواع العلاقات والتي كانت بحاجه ماسه لاستحداث قواعد تحكم خصوصيتها.
ملاحظه هامه :تعمدت عدم الإسهاب في شرح ماهية بعض القوانين(مثل المدني والتجاري وغيره من التقسيمات الفرعية للتقسيمات الأصلية) وإنما اكتفيت في التقسيمات الفقهية وهي الحجر الأساس وما تبقى فهو يعتمد على المطالعة فقط دون حفظ.
المطلب الثاني :تقسيم القواعد القانونية من حيث قوتها الملزمة
تنقسم إلى نوعين هما: ( هذا الموضوع يحتاج إلى فهم لا للحفظ).المبحث الأول :القواعد الآمرة والمكلمة
أولاً :القـــــــــــواعد الآمــــــــــرة:
قبل الحديث عن القواعد الآمرة لابد لنا أن نفهم ما المقصود بالأمر يقصد بالأمر هو أما بأتباع سلوك معين أو حظر سلوك معين،وعليه فأن القواعد الآمرة هي التي تجبر الأفراد على إتباع سلوك معين أو حظره دون أن يكون للأفراد الاتفاق على مخالفتها واستبعاد حكمها بينهم
ملاحظه مهمة : أي اتفاق بخلاف ما تأمر به القاعدة الآمرة يعتبر باطل على طول الخط ما فيها نقاش !!!
• هذا كل ما في القاعدة الآمرة ولا أكثر من ذلك ولا اقل ….الآن نذهب إلى القاعدة المكلمة و نغوص في أعماقها لنرى ما لديها !!
ثانياً: القــــــــــــواعد المكمـــــــلة:
على خلاف القاعدة الآمرة هي التي يجوز للأفراد أما أن يأخذوا ما جاء بحكمها أو جاز لهم الاتفاق على مخالفتها..ويسميها جانب من الفقه القواعد المفسرة أو المتممة وعليه فأن توزيع الأرباح والخسائر لا يطبق إلا عندما لا تفصح إرادة الشركاء في عقد الشركة عن طريقة أخرى لاقتسام الأرباح والخسائر فيما بينهم بمعنى يجوز لهم الاتفاق على عده طرق لاقتسام الأرباح والخسائر.
ملاحظه هامه : قد يسأل أحدكم ويقول ..طالما إن القاعدة المكلمة يجوز الاتفاق على مخالفتها إذا هي ليست ملزمه ؟ والجواب بالنفي طبعاً القاعدة المكلمة قاعدة ملزمه مثلها مثل القواعد الآمرة ويكمن إلزاميتيها في عدم الاتفاق على مخالفتها في الوقت الذي لا تتفق على مخالفتها فيه وتبقى على حكمها هي ملزمه لك لا بل تتعدى أطراف العلاقة ويشمل إلزاميتيها القاضي نفسه عند تطبيق حكمها على واقعة معروضة أمامه.
المبحث الثاني :معيار التفرقة بين القواعد الآمرة والقواعد المكلمة
يقوم أساس التفرقة بينهم بسيط جداً في معيارين فقط أول هذه المعايير المعيار اللفظي وثاني هذه المعايير المعيار الموضوعي ..(مشينا نتعرف على هذه المعايير ..بتعطينا أمثله على هذه المعايير ؟ أكيد طبعاً ) !!!!
أولا: المعيـــــــــــار اللفـــــــــــظي
يدور حول ماذا المعيار اللفظي ؟ الإجابة يدور حول دلالة العبارة في النص القانوني فنقول متى ما كان النص يستخدم ألفاظا مثل :لا يجوز أو يقع باطلاً ، أو يحظر ،أو يمنع ، أو يعاقب ..الخ يعني ذلك أن القاعدة القانونية هي آمرة ولازمه ولا يمكن للأفراد إمكانية الخروج عليها
وكذلك الحال بالنسبة للقاعدة المكملة فأن الألفاظ فيها تصاغ بطريقة تسمح للأفراد إمكانية العدول عنها مثل (يجوز ، لا يمنع، لا يعاقب ، ما لم يتفق على غير ذلك) ..والمثال على هذا ما جاءت به نص المادة 41 من نظام العلامات التجارية السعودي بقولها (لا يجوز للمرخص له التنازل عن الترخيص أو منح تراخيص من الباطن ما لم يتفق على غير ذلك).
ثانياً : المعيــــــــــار الموضوعي
المعيار الموضوعي الهدف منه هو الاستعانة في حالة عدم إفصاح العبارة التي صيغت بها القاعدة القانونية عن نوعها (أي آمرة أو مكلمه) ..هنا يستعان بالمعيار الموضوعي للكشف عن هوية القاعدة القانونية . ولكن كيف نستعين بالمعيار الموضوعي ؟؟ الجواب على هذا لا يحتاج إلى عقلية نيوتن ينظر إلى القاعدة القانونية بحسب (ارتباطها بمصلحة المجتمع وتنظيمه الأساسي ) ..متى ما كان الأمر يتعلق بمصلحة المجتمع نكون أمام قاعدة آمرة ..وعلى العكس متى ما كنت القاعدة القانونية تتعلق بمصالح خاصة للأفراد دون المساس بالمصالح العامة للمجتمع نكون أمام قاعدة مكملة.
ولهذا جرى الفقه القانوني على تبني مصطلح النظام العام والآداب العامة ..كأساس محدد لوصف القاعدة بأنها آمره أو مكمله فمتى ما ارتبطت القاعدة بالنظام العام والآداب العامة كنا أمام قاعدة آمره والعكس صحيح في حالة القاعدة المكملة.
والمقصود بالنظام العام والآداب العامة هي مجموعة المصالح العليا للمجتمع والتي تمس كيان الجماعة فيه ويقوم عليها بنيانها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والخلقي ..مثال ذلك (بيع الخمور في أمريكا وبريطانيا مثلاً لا يعد بيعها والاتجار فيها واستعمالها من النظام العام والآداب العامة ..وعلى العكس في السعودية لدينا والحمد لله وعليه نقول مثلاً لو قدم رجل أمريكي يدعى جورج إلى الرياض زيارة عمل وهو متخصص في مراقبة توالد الزواحف (الضبان مثلاً) فلا يمكن له أن يشرب الخمر علناً والسبب اصطدامه بالنظام العام والآداب العامة والتي تعتبر من القواعد الآمرة لأنها تمس مصالح وقيمّ المجتمع السعودي وكذلك الحال بالإفطار في نهار رمضان لغير المسلمين في السعودية)، وعلى هذا المثال نستخلص انه ما قد يعتبر من النظام العام والآداب العامة في السعودية مثلاً لا يعتمد بالضرورة كذلك في بلاد أخرى.
الفصل الثاني: مصادر القاعدة القانونية
مصادر القاعدة القانونية: التشريع (النظام) و العرف، و القواعد العامة في الشريعة الإسلامية، والسوابق القضائية، الفقه ، مبادئ القانون الطبيعي ، والقواعد العامة في العدالة.
ملاحظه :لا أجد فيها ما يستحق الشرح كلها تعتمد على الاطلاع فقط دون الحفظ .
نأتي إلى ما هو أهم في نظرية القانون وهي نطاق تطبيق القاعدة القانونية في الفصل الآتي.
الفصل الثالث: تطبيق القاعدة القانونية
لا يمكن لأي قاعدة قانونية أن تجد مكاناً للتطبيق ما لم يكن لها نطاق تسري فيه …لذا يكون نطاق تطبيقها على النحو التالي :
أولاً :نطاق تطبيق قواعد القانون من حيث الأشخاص
بمجرد خروج القاعدة القانونية إلى حيز التنفيذ فأنها تصبح ملزم لجميع المخاطبين بمضمون أحكامها ..وعليه لا يمكن للمخاطب بها أن يستند إلى جهلة بالقاعدة القانونية حتى يتحلل من تطبيق أحكامها عليه. إلا انه في حالات معينه يمكن له أن يعتد بعدم العلم بالقاعدة القانونية .
وقد يسأل البعض كيف تقول لنا تارة لا يجوز له الاعتذار بجهل القانون وتارة يجوز له ؟ والإجابة على ذلك أن نطاق تطبيق القانون بالنسبة للأشخاص المخاطبين بحكمه يستند على مبدأ أساسي هو (عدم جواز الاعتذار بجهل القانون) وهذا المبدأ هو الأصل إلا أن هذا الأصل يرد عليه استثناء قد يقع وقد لا يقع…(يا لله مشينا نتعرف على المبدأ والاستثناء معاً) .
1- مبدأ عدم جواز الاعتذار بجهل القانون:
يقصد به : لا يسمح لأي شخص مخاطب بحكم قاعدة قانونية أن يعتذر بجهله بها حتى يكون بمنأى عن تطبيق أحكامها في حقه ..وبعبارة أخرى وبمقتضى هذا المبدأ هو افتراض علم المكلفين بأحكام القانون حتى وإن لم يعلموا به فعلاً ..وعليه نضرب مثالاً (لو فرضنا صدر نظام ونشر في الجريدة الرسمية أم القرى يحظر صيد الضبان من الساعة 10 صباحاً حتى الساعة 2 ظهراً وتغريم من يصطادها في هذا الوقت عن كل ضب مائة ريال .. بحجة أن الضبان في هذا الوقت تمارس هواية الشخير المقفى بمعنى في قيلولتها ويحظر صيدها في هذا الوقت …وقام خالد بالذهاب إلى روضة خريم لممارس صيد الضبان وصادف صيده في وقت الحظر وقامت دورية من دوريات حماية الحياة الفطرية بضبطه متلبساً وفي يده خيشه مليئة بالضبان تتعدى 12 ضباً وبحسبة بسيطة وجد نفسه خالد مطالباً بـ1200 دينار..هنا نقول وفقاً لهذا المبدأ لا يمكن لخالد الاعتذار بجهله لنظام حضر صيد الضبان حتى يتسنى له الهروب من الغرامة المقررة عليه).
والحكمة من وجود هذا المبدأ وهو افتراض علم المكلفين بالقانون وعدم جواز الاعتذار بجلهم به هو استقرار المعاملات وإلا كانت الثقة في المعاملات مزعزعه وبالتالي سيهدد سير العدالة وإدارتها وذلك عندما يثقل كاهل الجهات القضائية بحمل الدعاوي المؤسسة على الزعم بعدم العلم بحكم القانون.