قانون العمل /المحاضرات الأولى والثانية والثالثة 17و23و31/10/2011
يرتبط قانون العمل بالدرجة الأساس مع الحق في العمل وحرية الفرد في أن يختار نوع ومكان العمل ، وبعد العمل حق وواجب وطني وشرف كفلتهُ جميع الحقوق والمواثيق الإقليمية والدساتير ، فقد نص قانون العمل العراقي النافذ ذي رقم 71 لسنة 1978 في المادة / 2،على : ((يضمن هذا القانون حق العمل لكل مواطن قادر عليه بشروط وفرص متكافئة بين المواطنين جميعا دون تمييز بسبب الجنس او العرق او اللغة او الدين, ويترتب على ذلك إتاحة الفرصة لكل مواطن في التدريب على النشاط المهني في الحدود التي ترسمها الدولة لحجم ونوع العمل في كل قطاع مهني.)) كما نصت المادة /3 منهُ ، على : (العمل واجب مقدس يمليه الشرف وتستلزمه ضرورة المشاركة في بناء المجتمع وتطويره وازدهاره.)ونص هذهِ الفقرة يشابه ما أوردهُ قانون العمل السابق ذا الرقم 151 لسنة 1970 .
تعريف قانون العمل : يعرّفْ قانون العمل وفقا للاتجاهات الحديثة ؛ (بأنهُ مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات الفردية والجماعية التي تخص العمل التابع المأجور ) ويعرّف العامل ؛ (بأنهُ منْ يؤدي عملا لقاء أجر ويكون في عمله تابعا لإدارة وتوجيه صاحب العمل ) الذي يقصد به كل شخص طبيعي ومعنوي يستخدم عاملا أو أكثر لقاء أجر ، وقانون العمل الحالي (قانون العمل المرقم 71 لسنة 1978) يسري على جميع العمال في القطاع الخاص والمختلط والتعاوني ، كما ورد بنص المادة/8 منهُ : (أولا - تسري إحكام هذا القانون على جميع العمال في القطاع الخاص والمختلط والتعاوني.).
التطور التاريخي لأنظمة العمل : مرت العمل في مراحل متعددة ، تغيرت فيها من حال إلى حال نتيجة لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية مر بها المجتمع البشري ، ففي العصور القديمة كان المجتمع البدائي يعتمد على الزراعة وكانت الأرض بالتناوب وهي مشاعه للجميع ومحصورة في أطار الأسرة الواحدة ، أما الصناعة فقد كانت تتركز على صناعة أدوات الصيد والطبخ والزراعة والأسلحة وكان ذلك كلهُ يجري بنظام اجتماعي قائم على التعاون العائلي أو الأسري ، وفي مراحل لاحقه تطورت البشرية ، ظهر نظام آخر ، هو ؛ نظام الرق أو العبودية ، فالرق يرتبط شخصيا بالسيد والأخير يتصرف به باعتباره شيئا أو مادة من المواد ، يبيعهُ ويشتريه ويهجره فلا يعتبر الرق عاملا بل شيئا من الأشياء ولا يمتلك الشخصية القانونية ولا يغترف به كانسان أما العمال الآخرين كانت العلاقة بينهم قائمة على أساس التعاقد ، أما القرون الوسطى ، فقد بدأ نظام الرّق ينحصر بصورة تدريجية بفعل التغيرات الاجتماعية وظهور الأديان التي أخذت تدعو إلى المساواة ومحاربة العبودية بين البشر ، ظهر نظام جديد أخف وطأة ، هو ( نظام الأقنان) وهو بداية العهد الأقطاعي ويتميز هذا النظام بأن التابع ( القن) يمارس عمله بحرية أكبر من الرّق وملكيته بالأرض أو المشروع وتنتقل ملكيته بأنتقال ملكية الأرض أو المشروع فلم يعد مرتبطا بشخص السيد أو المالك وبأنتهاء القرن الثاني عشر الميلادي وظهور بوادر التحرر والثورات التحررية حيث نمت المدن وتوسعت الصناعة ، ظهر نظام أخر مرتبطا بعدم كفاية الصناعة البيتية التي كانت سائدة وحلّ مبدأ التخصص في العمل بعد ظهور الصناعات الكبيرة وهذا النظام الجديد هو نظام (الطوائف الحرفية) ويعتبر هذا النظام البذرة الأولى لظهور النقابات المهنية وكان أصحاب كل حرفة أو مهنة يرتبطون فيما بينهم بمجموعة من الأصول والإجراءات التنظيمية وكانت أسسه، كالأتي :
1
آ- عدم فتح الباب أمام كل راغب في العمل بهذهِ المهنة ووضع شروط وأصول لأجل الدخول لهذهِ الطائفة.
ب - يمنع غير المنتمين لهذهِ الطوائف من ممارسة هذهِ الحرفة أو المهنة .
ج - يخضع المنتمون للطائفة بسلم هرمي وتسلسلي يبدأ من التلاميذ ثم العرفاء ثم شيخ الطائفة .
أن هذهِ الطوائف الحرفية جعلت نظام التنافس في العمل غير موجود لأنها حضرّت هذهِ المهن والأعمال على غير المنتمين لها وكانت تؤدي أعمال شبيهه بأعمال النقابات العمالية ، كتقرير عطلة أسبوعية للعمال وتقديم منح في حالة مرض المنتمين لها ، وكانت العلاقة فيما بين المنتمين لهذهِ الطوائف تقوم على أساس تعاقدي برضا جميع الأطراف وبالتالي لم يعد هنالك من حاجة لتدخل الدولة أو المشرّع في هذهِ العلاقة .
أما مرحلة ما بعد الثورة الفرنسية والثورة الصناعية فقد بدأت إرهاصاتها بالظهور بعد قيام الثورة الفرنسية حيث عمل رجالات الثورة وأخذاً بمبدأ الحرية الفردية على تخليص الصناعة والاقتصاد من أية قيود أو شروط وتطبيق مبدأ الحرية في كل المجالات وعدم تدخل الدولة ، وكانوا يؤمنون بأن الدولة لا تتدخل بأي نشاط سوى الداخلية والدفاع وعملا بذلك كان المجال السياسي قائم على مبدأ المساواة والحرية السياسية وفي المجال السياسي كانت الدولة ممنوعة من أي تدخل في النشاط الاقتصادي سواءا كان تدخلا مباشرا أو حتى تشريعيا لوضع قيود على الاقتصاد وبموجب ذلك يحق للعمال أن يتعاقدوا بحرية مع منْ يشاءون من أصحاب العمل وفقا للشروط التي يرغبون بها ويحق لأصحاب العمل أن يتعاقدوا مع منْ يشاءون من العمال بحسب الشروط التي يرغبون بها ، وفي مجال القانون سادَ مبدأ سلطان الإرادة ، فالفرد حر في أن يوقع ما يشاء من العقود بالشروط التي يرتضيها والتي تصبح ملزمة لهُ وفقا لقاعدة (العقد شريعة المتعاقدين)، كما لا يجوز للدولة أن تتدخل في هذهِ العلاقة العقدية إلا فيما يتعلق بالنظام العام والآداب العامة ما دام العقد موقعا بالتراضي ونتيجة لهذهِ المبادئ منعت التكتلات العمالية من الظهور لأنها تطالب بحقوق وامتيازات لمنتسبيها فأختفى نظام الطوائف ولا بد من الإشارة إلى أن مبدأ الحرية الفردية هو كلمة حق يراد بها باطل فالأصل أنهُ وضع لأجل الإنسان فإذا به يُستغل خدمة للأقوياء أصحاب النفوذ والمال ، فيما يخص علاقات العمل أن هذهِ المساواة أصبحت مساواة نظرية فقط والحرية التي سغى إليها كانت مسطرة قثط في الكتب ووجهت لها الانتقادات التالية:
آ- لا بمكن تصور أن هناك مساواة من الناحية المادية بين صاحب العمل والعامل ، وبالتالي أصبح العمال يُستغلون من قبل أرباب العمل أسوء استغلال لأن صاحب العمل أكثر قدرة على تحمل الضرر من العامل بما يملكهُ من رأس مال يمكنهُ من استعماله وقت الحاجة في حين أن العامل يعتمد على عمله اليومي فيضطر الأخير إلى القبول حتى بشروط مجحفة تحت ضغط الحاجة.
ب- أدت الحرية الاقتصادية إلى أهدار كرامة الإنسان بسبب عدم تدخل الدولة حيث أصبح هناك الكثير من الطوائف التي تعمل دون حماية قانونية ، مثل الأحداث والنساء والحوامل حيث يعملون في ظروف عمل سيئة وبأجور قليلة .
2
كل هذا وغيرها ، أدت إلى لجوء العمال إلى العنف لتقرير مطالبهم ومنع استغلال أصحاب العمل لهم وكان ذلك فاتحة لظهور ثورات عمالية وحركات نشطة في الدول الصناعية تكللت بظهور فكرة ( الشيوعية) في الدول نفسها التي كانت تؤمن في المذهب الفردي الحر مكان قانون العمل بين القوانيين.
مكان قانون العمل بين القوانيين : المعروف أن هناك قسمان للقانون ؛ قسم عام وقسم خاص ، القسم العام تحل الدولة فيه طرفا بوصفها دولة صاحبة سيادة والسلطات التي لديها سلطة الجبر والالتزام ، ومثال القسم العام ؛ القانون الإداري ، القانون الدستوري ، القانون الدولي العام ، القانون الجنائي ، أما القسم الخاص فينظر إلى طرفي العلاقة بصورة متساوية وتكون الدولة فيه طرفا عاديا حالها حال أي شخص ومن أمثلتها ؛ القانون المدني ، القانون التجاري ، القانون الدولي الخاص ، ويبرز السؤال ؛ إلى منْ ينتمي قانون العمل ؟
كان قانون العمل في مرحلة تقوم على الاعتماد على أساس التعاقد وكان العقد هو الصيغة التي تنظم علاقات العمل ويحظر على الدولة أن تتدخل في هذهِ العلاقة لأنها دولة حارسة فبالتالي يكون قانون العمل منتميا إلى القسم الخاص في القانون .
وفي مراحل لاحقة ونتيجة للمطالبات العمالية أخذت الدولة تتدخل في النشاطات الاقتصادية وفي علاقات العمل لأجل أقامة التوازن لمصلحة الطرف الأضعف (العامل) فأخذ المشرّع يتدخل في إصدار قوانيين لاعتماد هذا التوازن في الحقوق والواجبات ومن أمثلة هذا التدخل ؛ وضع حد أدنى لسن العمل وكذلك وضع حد أدنى للأجور ووضع حد أعلى لساعات العمل ، فظهر الرأي القائل ؛ بأن قانون العمل تحول من القسم الخاص إلى القسم العام بفعل تدخلات الدولة من تشريعها لقوانيين تعيد التوازن في الحقوق والواجبات بين طرفي العلاقة، وهناك رأي آخر يرجحه ، يقول: أن قانون العمل يعد فرعا مختلطا بين القسم العام والقسم الخاص ولا ينتمي للقسم الخاص و لا القسم العام بسبب أنهُ يحوي صفات القسم العام والقسم الخاص في آن واحد .
القواعد الآمرة في قانون العمل : قانون العمل يحتوي على نوعين من القواعد :
النوع الأول ؛ قواعد آمره تعتبر من النظام العام لا يجوز مخالفتها ولو بالاتفاق.
النوع الثاني ؛ القواعد المفسرة أو المكملة ويجوز الاتفاق على مخالفتها ، لكن مع الأخذ بنظر الاعتبار أن الأصل والقاعدة العامة وأن كل قواعد القانون العمل تعتبر من النظام . ومن الأمثلة على القواعد الآمرة ، ما يلي:
1- صحة الاتفاق الأصل للعامل ، فالقاعدة العامة تقضي بعدم جواز مخالفة قانون العمل وكل مخالفة لهُ تعتبر باطلة بطلانا مطلقا ، وجعل القانون استثناء لذلك هو أن يكون الأتفاق أصلح وأفضل للعامل حيث أن قواعد قانون العمل تمثل الحد الأدنى من الحقوق العمالية ويجوز أن ترتفع بسقف هذهِ الحقوق ما دامت أفضل للعامل ، المادة/ 9 تمثل الحقوق الواردة في هذا القانون الحد الأدنى لحقوق العمال ، حبث وجد تنظيم خاص لعلاقة الأفراد تطبق على العمال أحكام هذا القانون أو أحكام التنظيم الخاص .
3
لكن، هنا يبرز التساؤل ، من يقرر الأفضل؟
المعيار في هذا المجال ليس معيارا شخصيا يعتمد على العامل ، فلا يسأل العامل عما هو أفضل لهُ ؟ لأنهُ يمكن أن تضطره الحاجة المادية لمخالفة حقيقة ذلك الأفضل ، لذا فإن المعيار يكون معيار موضوعي يعتمد على رأي القاضي في الموضوع يستشفهُ من وقائع الدولة المعروضة أمامه .
2- كل تنازل للعامل عن حقوقه يعتبر باطلا ، حيث أن في قانون العمل يعتبر كل تنازل أو صلح أو إبراء للعامل عن حقوقه الناشئة عن عقد العمل يعتبر ذلك العقد باطلا ن لكن هذا البطلان محدد بمدة ستة أشهر ، حيث نصت المادة /11 : ((يقع باطلا كل صلح او تنازل او ابراء من الحقوق المقررة للعامل بموجب احكام هذا القانون, خلال فترة المقررة للعامل بموجب احكام هذا القانون, خلال فترة قيام علاقة العمل حتى انقضاء ستة اشهر على انتهائها. )) ، وذلك من أن يستغل العامل بسبب ضعفه وحاجته ، وهذا خلاف القواعد العامة التي تجيز ذلك والتي تجيز تنازل الشخص عن حقوقه إذا ما ارتبطت بحقوق مادية .
4
يرتبط قانون العمل بالدرجة الأساس مع الحق في العمل وحرية الفرد في أن يختار نوع ومكان العمل ، وبعد العمل حق وواجب وطني وشرف كفلتهُ جميع الحقوق والمواثيق الإقليمية والدساتير ، فقد نص قانون العمل العراقي النافذ ذي رقم 71 لسنة 1978 في المادة / 2،على : ((يضمن هذا القانون حق العمل لكل مواطن قادر عليه بشروط وفرص متكافئة بين المواطنين جميعا دون تمييز بسبب الجنس او العرق او اللغة او الدين, ويترتب على ذلك إتاحة الفرصة لكل مواطن في التدريب على النشاط المهني في الحدود التي ترسمها الدولة لحجم ونوع العمل في كل قطاع مهني.)) كما نصت المادة /3 منهُ ، على : (العمل واجب مقدس يمليه الشرف وتستلزمه ضرورة المشاركة في بناء المجتمع وتطويره وازدهاره.)ونص هذهِ الفقرة يشابه ما أوردهُ قانون العمل السابق ذا الرقم 151 لسنة 1970 .
تعريف قانون العمل : يعرّفْ قانون العمل وفقا للاتجاهات الحديثة ؛ (بأنهُ مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات الفردية والجماعية التي تخص العمل التابع المأجور ) ويعرّف العامل ؛ (بأنهُ منْ يؤدي عملا لقاء أجر ويكون في عمله تابعا لإدارة وتوجيه صاحب العمل ) الذي يقصد به كل شخص طبيعي ومعنوي يستخدم عاملا أو أكثر لقاء أجر ، وقانون العمل الحالي (قانون العمل المرقم 71 لسنة 1978) يسري على جميع العمال في القطاع الخاص والمختلط والتعاوني ، كما ورد بنص المادة/8 منهُ : (أولا - تسري إحكام هذا القانون على جميع العمال في القطاع الخاص والمختلط والتعاوني.).
التطور التاريخي لأنظمة العمل : مرت العمل في مراحل متعددة ، تغيرت فيها من حال إلى حال نتيجة لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية مر بها المجتمع البشري ، ففي العصور القديمة كان المجتمع البدائي يعتمد على الزراعة وكانت الأرض بالتناوب وهي مشاعه للجميع ومحصورة في أطار الأسرة الواحدة ، أما الصناعة فقد كانت تتركز على صناعة أدوات الصيد والطبخ والزراعة والأسلحة وكان ذلك كلهُ يجري بنظام اجتماعي قائم على التعاون العائلي أو الأسري ، وفي مراحل لاحقه تطورت البشرية ، ظهر نظام آخر ، هو ؛ نظام الرق أو العبودية ، فالرق يرتبط شخصيا بالسيد والأخير يتصرف به باعتباره شيئا أو مادة من المواد ، يبيعهُ ويشتريه ويهجره فلا يعتبر الرق عاملا بل شيئا من الأشياء ولا يمتلك الشخصية القانونية ولا يغترف به كانسان أما العمال الآخرين كانت العلاقة بينهم قائمة على أساس التعاقد ، أما القرون الوسطى ، فقد بدأ نظام الرّق ينحصر بصورة تدريجية بفعل التغيرات الاجتماعية وظهور الأديان التي أخذت تدعو إلى المساواة ومحاربة العبودية بين البشر ، ظهر نظام جديد أخف وطأة ، هو ( نظام الأقنان) وهو بداية العهد الأقطاعي ويتميز هذا النظام بأن التابع ( القن) يمارس عمله بحرية أكبر من الرّق وملكيته بالأرض أو المشروع وتنتقل ملكيته بأنتقال ملكية الأرض أو المشروع فلم يعد مرتبطا بشخص السيد أو المالك وبأنتهاء القرن الثاني عشر الميلادي وظهور بوادر التحرر والثورات التحررية حيث نمت المدن وتوسعت الصناعة ، ظهر نظام أخر مرتبطا بعدم كفاية الصناعة البيتية التي كانت سائدة وحلّ مبدأ التخصص في العمل بعد ظهور الصناعات الكبيرة وهذا النظام الجديد هو نظام (الطوائف الحرفية) ويعتبر هذا النظام البذرة الأولى لظهور النقابات المهنية وكان أصحاب كل حرفة أو مهنة يرتبطون فيما بينهم بمجموعة من الأصول والإجراءات التنظيمية وكانت أسسه، كالأتي :
1
آ- عدم فتح الباب أمام كل راغب في العمل بهذهِ المهنة ووضع شروط وأصول لأجل الدخول لهذهِ الطائفة.
ب - يمنع غير المنتمين لهذهِ الطوائف من ممارسة هذهِ الحرفة أو المهنة .
ج - يخضع المنتمون للطائفة بسلم هرمي وتسلسلي يبدأ من التلاميذ ثم العرفاء ثم شيخ الطائفة .
أن هذهِ الطوائف الحرفية جعلت نظام التنافس في العمل غير موجود لأنها حضرّت هذهِ المهن والأعمال على غير المنتمين لها وكانت تؤدي أعمال شبيهه بأعمال النقابات العمالية ، كتقرير عطلة أسبوعية للعمال وتقديم منح في حالة مرض المنتمين لها ، وكانت العلاقة فيما بين المنتمين لهذهِ الطوائف تقوم على أساس تعاقدي برضا جميع الأطراف وبالتالي لم يعد هنالك من حاجة لتدخل الدولة أو المشرّع في هذهِ العلاقة .
أما مرحلة ما بعد الثورة الفرنسية والثورة الصناعية فقد بدأت إرهاصاتها بالظهور بعد قيام الثورة الفرنسية حيث عمل رجالات الثورة وأخذاً بمبدأ الحرية الفردية على تخليص الصناعة والاقتصاد من أية قيود أو شروط وتطبيق مبدأ الحرية في كل المجالات وعدم تدخل الدولة ، وكانوا يؤمنون بأن الدولة لا تتدخل بأي نشاط سوى الداخلية والدفاع وعملا بذلك كان المجال السياسي قائم على مبدأ المساواة والحرية السياسية وفي المجال السياسي كانت الدولة ممنوعة من أي تدخل في النشاط الاقتصادي سواءا كان تدخلا مباشرا أو حتى تشريعيا لوضع قيود على الاقتصاد وبموجب ذلك يحق للعمال أن يتعاقدوا بحرية مع منْ يشاءون من أصحاب العمل وفقا للشروط التي يرغبون بها ويحق لأصحاب العمل أن يتعاقدوا مع منْ يشاءون من العمال بحسب الشروط التي يرغبون بها ، وفي مجال القانون سادَ مبدأ سلطان الإرادة ، فالفرد حر في أن يوقع ما يشاء من العقود بالشروط التي يرتضيها والتي تصبح ملزمة لهُ وفقا لقاعدة (العقد شريعة المتعاقدين)، كما لا يجوز للدولة أن تتدخل في هذهِ العلاقة العقدية إلا فيما يتعلق بالنظام العام والآداب العامة ما دام العقد موقعا بالتراضي ونتيجة لهذهِ المبادئ منعت التكتلات العمالية من الظهور لأنها تطالب بحقوق وامتيازات لمنتسبيها فأختفى نظام الطوائف ولا بد من الإشارة إلى أن مبدأ الحرية الفردية هو كلمة حق يراد بها باطل فالأصل أنهُ وضع لأجل الإنسان فإذا به يُستغل خدمة للأقوياء أصحاب النفوذ والمال ، فيما يخص علاقات العمل أن هذهِ المساواة أصبحت مساواة نظرية فقط والحرية التي سغى إليها كانت مسطرة قثط في الكتب ووجهت لها الانتقادات التالية:
آ- لا بمكن تصور أن هناك مساواة من الناحية المادية بين صاحب العمل والعامل ، وبالتالي أصبح العمال يُستغلون من قبل أرباب العمل أسوء استغلال لأن صاحب العمل أكثر قدرة على تحمل الضرر من العامل بما يملكهُ من رأس مال يمكنهُ من استعماله وقت الحاجة في حين أن العامل يعتمد على عمله اليومي فيضطر الأخير إلى القبول حتى بشروط مجحفة تحت ضغط الحاجة.
ب- أدت الحرية الاقتصادية إلى أهدار كرامة الإنسان بسبب عدم تدخل الدولة حيث أصبح هناك الكثير من الطوائف التي تعمل دون حماية قانونية ، مثل الأحداث والنساء والحوامل حيث يعملون في ظروف عمل سيئة وبأجور قليلة .
2
كل هذا وغيرها ، أدت إلى لجوء العمال إلى العنف لتقرير مطالبهم ومنع استغلال أصحاب العمل لهم وكان ذلك فاتحة لظهور ثورات عمالية وحركات نشطة في الدول الصناعية تكللت بظهور فكرة ( الشيوعية) في الدول نفسها التي كانت تؤمن في المذهب الفردي الحر مكان قانون العمل بين القوانيين.
مكان قانون العمل بين القوانيين : المعروف أن هناك قسمان للقانون ؛ قسم عام وقسم خاص ، القسم العام تحل الدولة فيه طرفا بوصفها دولة صاحبة سيادة والسلطات التي لديها سلطة الجبر والالتزام ، ومثال القسم العام ؛ القانون الإداري ، القانون الدستوري ، القانون الدولي العام ، القانون الجنائي ، أما القسم الخاص فينظر إلى طرفي العلاقة بصورة متساوية وتكون الدولة فيه طرفا عاديا حالها حال أي شخص ومن أمثلتها ؛ القانون المدني ، القانون التجاري ، القانون الدولي الخاص ، ويبرز السؤال ؛ إلى منْ ينتمي قانون العمل ؟
كان قانون العمل في مرحلة تقوم على الاعتماد على أساس التعاقد وكان العقد هو الصيغة التي تنظم علاقات العمل ويحظر على الدولة أن تتدخل في هذهِ العلاقة لأنها دولة حارسة فبالتالي يكون قانون العمل منتميا إلى القسم الخاص في القانون .
وفي مراحل لاحقة ونتيجة للمطالبات العمالية أخذت الدولة تتدخل في النشاطات الاقتصادية وفي علاقات العمل لأجل أقامة التوازن لمصلحة الطرف الأضعف (العامل) فأخذ المشرّع يتدخل في إصدار قوانيين لاعتماد هذا التوازن في الحقوق والواجبات ومن أمثلة هذا التدخل ؛ وضع حد أدنى لسن العمل وكذلك وضع حد أدنى للأجور ووضع حد أعلى لساعات العمل ، فظهر الرأي القائل ؛ بأن قانون العمل تحول من القسم الخاص إلى القسم العام بفعل تدخلات الدولة من تشريعها لقوانيين تعيد التوازن في الحقوق والواجبات بين طرفي العلاقة، وهناك رأي آخر يرجحه ، يقول: أن قانون العمل يعد فرعا مختلطا بين القسم العام والقسم الخاص ولا ينتمي للقسم الخاص و لا القسم العام بسبب أنهُ يحوي صفات القسم العام والقسم الخاص في آن واحد .
القواعد الآمرة في قانون العمل : قانون العمل يحتوي على نوعين من القواعد :
النوع الأول ؛ قواعد آمره تعتبر من النظام العام لا يجوز مخالفتها ولو بالاتفاق.
النوع الثاني ؛ القواعد المفسرة أو المكملة ويجوز الاتفاق على مخالفتها ، لكن مع الأخذ بنظر الاعتبار أن الأصل والقاعدة العامة وأن كل قواعد القانون العمل تعتبر من النظام . ومن الأمثلة على القواعد الآمرة ، ما يلي:
1- صحة الاتفاق الأصل للعامل ، فالقاعدة العامة تقضي بعدم جواز مخالفة قانون العمل وكل مخالفة لهُ تعتبر باطلة بطلانا مطلقا ، وجعل القانون استثناء لذلك هو أن يكون الأتفاق أصلح وأفضل للعامل حيث أن قواعد قانون العمل تمثل الحد الأدنى من الحقوق العمالية ويجوز أن ترتفع بسقف هذهِ الحقوق ما دامت أفضل للعامل ، المادة/ 9 تمثل الحقوق الواردة في هذا القانون الحد الأدنى لحقوق العمال ، حبث وجد تنظيم خاص لعلاقة الأفراد تطبق على العمال أحكام هذا القانون أو أحكام التنظيم الخاص .
3
لكن، هنا يبرز التساؤل ، من يقرر الأفضل؟
المعيار في هذا المجال ليس معيارا شخصيا يعتمد على العامل ، فلا يسأل العامل عما هو أفضل لهُ ؟ لأنهُ يمكن أن تضطره الحاجة المادية لمخالفة حقيقة ذلك الأفضل ، لذا فإن المعيار يكون معيار موضوعي يعتمد على رأي القاضي في الموضوع يستشفهُ من وقائع الدولة المعروضة أمامه .
2- كل تنازل للعامل عن حقوقه يعتبر باطلا ، حيث أن في قانون العمل يعتبر كل تنازل أو صلح أو إبراء للعامل عن حقوقه الناشئة عن عقد العمل يعتبر ذلك العقد باطلا ن لكن هذا البطلان محدد بمدة ستة أشهر ، حيث نصت المادة /11 : ((يقع باطلا كل صلح او تنازل او ابراء من الحقوق المقررة للعامل بموجب احكام هذا القانون, خلال فترة المقررة للعامل بموجب احكام هذا القانون, خلال فترة قيام علاقة العمل حتى انقضاء ستة اشهر على انتهائها. )) ، وذلك من أن يستغل العامل بسبب ضعفه وحاجته ، وهذا خلاف القواعد العامة التي تجيز ذلك والتي تجيز تنازل الشخص عن حقوقه إذا ما ارتبطت بحقوق مادية .
4