آثار التحفظ
لمعرفة الآثار القانونية المترتبة على التحفظات يجب التمييز بهذا الصدد بين المعاهدات الثنائية والمعاهدات الجماعية.
1. المعاهدات الثنائية :- لا يمكن إبداء التحفظ إلا عند التوقيع على المعاهدة أو عند التصديق عليها وفي هذه
الحالة يكون التحفظ بمثابة عرض جديد للطرف الآخر الذي له أن يقبل المعاهدة مع
التحفظات المضافة إليها أو أن يرفضها وبالتالي يقضي عليها .
2. المعاهدات الجماعية :- يمكن إبداء التحفظات عند التوقيع على المعاهدة أو التصديق عليها أو الانضمام إليها
ويكون التحفظ مشروعاً وجائزاً ما دام لا يتعارض مع موضوع المعاهدة
والأغراض التي من اجلها عقدت المعاهدة وذلك ما لم ينص في المعاهدة على عدم
جواز التحفظ بصفة عامة أو على بعض نصوصها .
شروط صحة انعقاد المعاهدات :-
يشترط لصحة انعقاد المعاهدة توافر ثلاثة شروط , أهلية التعاقد , الرضا ومشروعية موضوع المعاهدة .
1. أهلية التعاقد :- يملك أشخاص القانون الدولي أهلية إبرام الاتفاقات الدولية ويتمتع بهذه الشخصية في الوقت
الحاضر الدول والمنظمات الدولية والفاتيكان .
أ- بالنسبة للدول :- يشترط أن تكون متمتعة بتمام الأهلية الدولية أي أن تكون تامة السيادة لكي تستطيع إبرام
المعاهدات أيا كان موضوعها أما إذا كانت الدولة ناقصة السيادة ( كالدولة المحمية أو
الموضوعة تحت الوصاية ) فأهليتها لإبرام المعاهدات ناقصة أو منعدمة وفقا لما تتركه
لها علاقة التبعية من الحقوق . لذا يجب دائما الرجوع الى الوثيقة التي تحدد مركزها
القانوني الدولي لمعرفة ما تملك إبرامه مع الاتفاقات الدولية وما لا تملكه . كذلك لا يجوز
للدولة الموضوعة في حالة حياد دائم أن تبرم من المعاهدات ما يتنافى مع حالة الحياد
كمعاهدات التحالف أو الضمان المتبادل , أما الدول الأعضاء في الاتحاد الفدرالي فيرجع
بالنسبة لها الى دستور الاتحاد لمعرفة ما إذا كانت كل منها تملك إبرام المعاهدات على
انفراد أم لا وفي الغالب فأن الدساتير الاتحادية لا تجيز للدول الأعضاء إبرام اتفاقات
دولية بصورة مباشرة . إلا أن بعض الدساتير الاتحادية تمنح الدول الأعضاء إبرام بعض
أنواع المعاهدات المحدودة تحت إشراف الاتحاد مثال ذلك مايقض به الدستور
السويسري في مادته الثامنة من جواز قيام المقاطعات السويسرية بعقد اتفاقات لتنظيم
شؤون الجواز والحدود .
ب – بالنسبة للفاتيكان :- له أهلية إبرام الاتفاقات الدولية كما أن الكرسي البابوي يستطيع أن يكون طرفا في
جميع الاتفاقات التي يرغب بها . إلا أن الاتفاقات التي يعقدها الكرسي البابوي في
الوقت الحاضر لا تبرم باسم دولة الفاتيكان ولكن باسم الكرسي البابوي أي باسم
السلطة التي تمثل الكنيسة الكاثوليكية الرومانية .
ج – بالنسبة للمنظمات الدولية :- تملك هي الأخرى أهلية إبرام المعاهدات الدولية, نتيجة لتمتعها بالشخصية
الدولية إلا أن أهليتها لإبرام المعاهدات محدودة بالأغراض التي من
اجلها أنشئت كمنظمة دولية .
19
2. الرضا :- يشترط لصحة انعقاد المعاهدة أن لا تكون مشوبة بأحد عيوب الرضا . وعيوب الرضا الغلط
والتدليس والإكراه , وهي عيوب تفسد الرضا متى توافرت شرائطها التي بينها القانون الخاص .
وتلعب نظرية عيوب الرضا دورا مهما في القانون المدني الخاص , إلا أنها ليست لها سوى أهمية
ضئيلة في نطاق القانون الدولي , إذ لا يمكن في القانون الدولي العام الاحتجاج بالبطلان بسبب
الغلط أو التدليس أو الغبن أو الإكراه بالطريقة نفسها المتبعة في القانون المدني , وذلك لان
المعاهدة تعد تامة إلا إذا مرت بسلسلة من الإجراءات تفحص خلالها فحصا كافيا وانه من الممكن
تبين هذه العيوب قبل أن تصبح المعاهدة تامة . ومع ذلك فان الدولة إذا اكتشفت بعد إبرام المعاهدة
أنها وقعت في غلط أو أنها كانت ضحية التدليس أو الإكراه , جاز لها لن تطعن في عدم صحة
رضاها بأحكام المعاهدة أو أحكام نص في تلك المعاهدة وذلك على النحو الآتي :-
أ – الغلط :- إن اصطلاح الغلط في المعاهدات الدولية له معنيان :
الأول : الغلط في صياغة نص المعاهدة , فإذا ما ظهر بعد اختفاء الصفة الرسمية على
المعاهدة أنها تحتوي على خطأ فالإجراء في هذه الحالة هو تصحيح الخطأ .
الثاني : الغلط في الرضا , إذا كان الغلط يتصل بواقعة معينة أو موقف معين كان من
العوامل الأساسية في ارتضاء الأطراف الالتزام بالمعاهدة فهذا النوع من الغلط
الذي ينصب على عنصر جوهري من عناصر المعاهدة التي قامت موافقة
الأطراف على أساسه هو الذي يشكل عيبا من عيوب الإرادة ويكون سببا من
أسباب بطلان المعاهدة . ولقد أكدت محكمة العدل الدولية على ذلك في الحكم
الذي أصدرته في 20 حزيران عام 1959 بخصوص السيادة على بعض مناطق
الحدود بين هولندا وبلجيكا , والذي جاء فيه أن الغلط يجب أن يكون ذا خطورة
كافية لتأشير في رضا الدول والغلط الذي تتوافر فيه هذه الخطورة هو ذلك الذي
يصب على واقعة تعتبر عنصرا جوهريا في رضا الدول المتعاقدة . ولقد تبنت
اتفاقية فينا هذه المبادئ بنصها في المادة الثامنة والأربعين .
ب – التدليس وإفساد ممثل الدولة :- يقصد بالتدليس استخدام الخداع في المفاوضات كأن يعمد احد
الأطراف المتفاوضة خداع الطرف الأخر عن طريق ادلائة
بمعلومات كاذبة أو تقديم المستندات على أنها صحيحة أو
أي طرق خداع أخرى دون أن يعلم الطرف
الآخر بالأمر ولو عرف لم يرتضي بإبرام المعاهدة .
والدولة إذا ما اكتشفت بعد إبرام المعاهدة أنها كانت ضحية
التدليس , جاز لها أن تطالب بإبطال المعاهدة
نتيجة لوقوعها في التدليس وقد أشارت الى ذلك اتفاقية فينا
في المادة 49 . كما خصصت اتفاقية فينا نصا خاصا يتعلق
بإفساد ممثل الدولة كعيب من عيوب
الإرادة لم يكن معروفا من قبل وإنما استحدثته هذه الاتفاقية
وجاء ذلك من خلال المادة 50 من الاتفاقية فلو قامت دولة
ما برشوة ممثل الدولة الأخرى لإغرائه
على إبرام المعاهدة فان هذا يعتبر فساد لإرادة هذا الممثل
يتيح للدولة المعنية المطالبة بإبطال المعاهدة أما أعمال
المجاملات فلا تعني إفسادا لإرادة ممثل الدولة .
(20)
ج – الإكراه :- فيما يتعلق بعيب الإكراه فيجب التمييز بين حالتين , حالة وقوع الإكراه على ممثلي
الدولة , وحالة وقوعه على الدولة ذاتها , ففي حالة وقوع الإكراه على أشخاص
ممثلي الدولة فقد اتفقت أراء الفقهاء على إن استعمال الإكراه مع المفاوضين يفقد
المعاهدة قوتها الإلزامية ويؤدي بالتالي الى بطلانها وقد نصت المادة 51 من
اتفاقية فينا لقانون المعاهدات لسنة 1969 على انه ( لا يكون لتعبير الدولة عن
ارتضائها الالتزام بمعاهدة أي اثر قانوني إذا اصدر نتيجة إكراه ممثلها بأفعال أو
تهديدات موجهة له , أما الإكراه الواقع على الدولة ذاتها لإرغامها على قبول
معاهدة لا ترغب فيها في الأصل فلم تتفق كلمة الفقهاء بشأنه فذهب البعض وهم
الأقلية الى القول ( بعدم جواز إرغام أي شعب على قبول معاهدة تفرض عليه
أوضاعا أو أحكاما لا يقرها , لمجافاة ذلك لمبادئ العدل والإنسانية والقواعد
القانونية الأولية من ناحية , ولأنه يؤدي الى عدم استقرار الوئام بين الشعوب من
ناحية أخرى ) وفي رأي غالبية الفقهاء التقليديين انه لا يجوز لدولة ما الاحتجاج
بالإكراه للتوصل الى إبطال (معاهدة أبرمتها تحت تأثير ضغط سياسي أو
عسكري أو ظروف لم تترك لها حرية الاختيار من قبولها , لان هذا يؤدي الى
عدم استقرار الأمور والأوضاع في المحيط الدولي ويقلل من قيمة المعاهدات
ويعطي الفرصة لكل دولة تريد التحرر من التزاماتها في معاهدة ما تطالب
بإبطالها بدعوى أنها لم تبرمها إلا مكرهة ) وعليه تعد معاهدات الصلح التي
تعقب الحروب في رأي هؤلاء الفقهاء معاهدات صحيحة رغم أن الدولة
المنتصرة تمل فيها إرادتها على الدولة المهزومة وإذا كانت قاعدة عدم جواز
الاحتجاج بالإكراه لإبطال المعاهدات تتماشى مع الحالة
البدائية للمجتمع الدولي قبل عصر التنظيم الدولي فإنها أصبحت لا تنسجم مع
الأوضاع الجديدة التي ظهرت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وقيام الأمم
المتحدة فقد حرم الميثاق الالتجاء الى الحروب أو استعمال القوة لتحقيق أغراض
تتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة وعليه تعتبر المعاهدة باطلا بطلانا مطلقا إذا تم
إبرامها نتيجة التهديد باستعمال القوة استخدامها بالمخالفة لمبادئ القانون الدولي
الواردة في ميثاق الأمم المتحدة .
3. مشروعية موضوع المعاهدة :- يجب أخيرا لصحة انعقاد المعاهدة أن يكون موضوعها مشروعا وجائزا
ويكون الموضوع مشروعا إذا كان مما يبيحه القانون الدولي وتقره مبادئ
الأخلاق . ومن الأمثلة على عدم مشروعية موضوع المعاهدة ما يلي :-
أ – المعاهدات التي يكون موضوعها منافيا لقاعدة من قواعد القانون الدولي الآمرة , كما لو اتفقت دولتان
على منع السفر التابعة لدولة ثالثة من الملاحة في أعالي البحار أو على تنظيم الاتجار بالرقيق أو ما شابه
ذلك . وقد أشارت الى ذلك اتفاقية فينا في المواد 53 و64 .
ب – المعاهدات التي يكون موضوعها منافيا لحسن الأخلاق , كاتفاق دولتين على اتخاذ تدابير تعسفية ضد
الأفراد أو ضد جنس معين أو طائفة معينة .
ج – المعاهدات التي تخالف ميثاق الأمم المتحدة فقد نصت المادة 103 من ميثاق الأمم المتحدة على انه ( إذا
تعارضت الالتزامات التي يرتبط بها أعضاء الأمم المتحدة وفقا لأحكام هذا الميثاق مع أي التزام آخر
يرتبطون به فالعبرة بالتزاماتهم المتركبة على هذا الميثاق .
(21)
الفرع الثالث : تنفيذ المعاهدات : تتضمن المعاهدات عادةَ نصا يحدد التاريخ والإجراءات التي تصبح معها المعاهدة نافذة المفعول ، وفي حالة عدم وجود نص ، فالمعاهدات تصبح نافذة المفعول من وقت تبادل التصديقات أو من وقت إيداع التصديقات في المكان المعين ، وتنفيذ المعاهدات يثير مسائل عديدة ، منها ما يتصل بآثار المعاهدات قبل التنفيذ ، وما يتصل بتاريخ البدء بتنفيذ المعاهدات الثنائية أو الجماعية ، ومنها ما يتعلق بتنفيذ المعاهدات داخل الدول وتنازع المعاهدات مع التشريع الداخلي .
أولا : آثار المعاهدات قبل التنفيذ :
آ- عدم أفساد الغرض من المعاهدة : يفترض بالدولة الالتزام بعدم أفساد الغرض من المعاهدة قبل دخولها دور النفاذ ، وقد أشارت إلى ذلك المادة 18 من أتفاقية فينا .
ب – تطبيق بعض شروط المعاهدة قبل دخولها دور النفاذ : ويتم ذلك عندما تتضمن المعاهدة بعض الشروط التي يجب تحقيقها قبل أن تصبح المعاهدة كاملة وقابلة للتنفيذ ، فإذا كانت المعاهدة تنص على وجوب التصديق ، اضطرت الدول الأطراف إلى القيام بهذا الأمر قبل مباشرة التنفيذ.
ج- تنفيذ المعاهدة بصورة مؤقتة : يمكن تنفيذ المعاهدة أو جزء منها بصفة مؤقتة لحين دخولها دور النفاذ ، إذا ما نصت المعاهدة على ذلك ، وغالبا ما يتبع هذهِ الطريقة في المعاهدات المنشئة للمنظمات الدولية وتنفيذ المعاهدة بصورة مؤقتة في هذهِ الحالة ، بكون الغرض منهُ السماح بإقامة الأجهزة الضرورية لإدارة وسير المنظمة .
د- تطبيق المعاهدة على مراحل : كثيرا ما يحصل أن المعاهدة ، حتى بعد دخولها دور النفاذ ، فإنها لا تطبق بكاملها ، وإنما تحدث بعض الآثار المحدودة ، أو بعبارة أخرى ، فإن تنفيذ المعاهدة يجزأ إلى مراحل متتابعة فلا تدخل المعاهدة نطاق التنفيذ الكامل إلاّ بعد أتمام المرحلة النهائية ، ومعنى ذلك أن المعاهدة تحتوي على نظام تدريجي للتنفيذ يتم بعد مدة من الزمن ، وأن التزامات الدول الأطراف لا تصبح كاملة إلاّ بعد مرور هذهِ المدة ، وخير مثال على ذلك ؛ معاهدة روما المنشئة للجماعة الاقتصادية الأوربية ، فقد نصت على فترة انتقال لمدة 12 سنة مجزأة إلى ثلاث مراحل تصل حتى عام 1970 وفي كل مرحلة تطبق بعض نصوص المعاهدة والانتقال من مرحلة إلى أخرى يصار إليه بقرار خاص من الأجهزة المختصة.
ثانيا / تاريخ البدء بتنفيذ المعاهدة الثنائية : أن تاريخ دخول المعاهدة حيز التنفيذ بالنسبة للمعاهدات الثنائية يكون حسب اتفاق الدول الأطراف فيها ، أما عند التوقيع على المعاهدة أو تاريخ استلام كل طرف مذكرة الطرف الآخر ، في حالة تبادل المذكرات أو تاريخ تبادل التصديقات ، وقد يحصل أن تدخل المعاهدة دور النفاذ بعد مدة معينة بمقتضى شرط صريح منصوص عليه في المعاهدة كأن يكون ، مثلا؛ ستة أشهر بعد تبادل التصديقات .
ثالثا/ تاريخ البدء بتنفيذ المعاهدات الجماعية : أن دخول المعاهدات الجماعية دور النفاذ ، يختلف بأختلاف المعاهدات :
آ- المعاهدات ذات الطابع الشخصي : أي تكون شخصية المتعاقدين فيها محلاَ للاعتبار ، فأنهُ يقتضي في مثل هذهِ المعاهدات قبولها من قبل جميع الدول التي شاركت في المفاوضات والتي وقعت عليها حتى تدخل دور النفاذ.
ب- المعاهدات الجماعية العامة : هنا يجب أن التمييز بين اتجاهين متناقضين ، الاتجاه الأول ؛ يركز على الصفة شبه التشريعية للمعاهدة على إخضاع دخول المعاهدة دور النفاذ على قبولها من عدد قليل من الدول من ذلك ، اتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب لسنة 1949 التي قضت المادة 138 بأن تصبح هذهِ الاتفاقية نافذة ، من إيداع وثيقتين تصديق على الأقل ، الاتجاه الثاني ؛ وهو الاتجاه السائد في الوقت الحاضر ، يتضمن في أغلب الحالات ، إخضاع دخول المعاهدة دور النفاذ على قبولها من عدد كافي من الدول إلاّ أن المعاهدة الجماعية العامة التي لا يطبقها عدد كاف من الدول لا يكون لها عادة جدوى حقيقية .
من المعلوم أن تحديد عدد الدول التي تعتبر كافية لدخول المعاهدة دور النفاذ يتوقف على كل معاهدة ، إذ توجد قاعدة عامة بهذا الصدد ، ومن الملاحظ في بعض النماذج من المعاهدات ، أن المعيار الذي يسمح بدخول المعاهدة دور النفاذ ، ليس معيار الكمية أي عدد الدول ، لكن أيضا معيار النوعية أي أهمية الدول التي قبلت ، وأن تنفيذ المعاهدة يتوقف على قبول هذهِ الدول ، خير مثال على ذلك ؛ ميثاق الأمم المتحدة الذي نص في الفقرة الثالثة من المادة العاشرة
22
بعد المائة ، على أن الميثاق يوضع موضع التنفيذ متى ودعت تصديقاتها الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وأغلبية الدول الأخرى الموقعة عليها.
ومن الملاحظ أيضا في المعاهدات متعددة الأطراف أنها تنص على أن تنفيذ المعاهدة يبدأ بعد فترة معينة من إيداع عدد معين من التصديقات ، مثال ذلك؛ اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات ، نصت في المادة 84 على أن تنفيذ هذهِ المعاهدة بعد انقضاء ثلاثين يوما من تاريخ إيداع الوثيقة الخامسة والثلاثين للتصديق أو الانضمام .
أما بالنسبة للدول التي تنضم إلى المعاهدة بعد دخولها دور النفاذ ، فأن المعاهدة لا تكون نافذة فورا بمجرد انضمامها ، وإنما يكون بعد مرور فترة زمنية معينة ، وقد نصت على ذلك معظم المعاهدات والاتفاقيات متعددة الأطراف ، من ذلك اتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب لسنة 1949 جعلت نفاذ المعاهدة بالنسبة للدول المنظمة بعد مضي ستة أشهر من إيداعها وثيقة الانضمام ، وأن الحكمة من ذلك هي إعطاء الفرصة للمسؤولين لإعلام بقية الدول الأعضاء بهذا الانضمام .
رابعا/ تنفيذ المعاهدات داخل الدول: هل تعتبر المعاهدة النافذة دوليا ، نافذة بصورة تلقائية داخل الدول ، تسري في مواجهة الأفراد والمحاكم ، أم يقتضي نفاذها إتخاذ اجراء تشريعي داخلي كنشرها أو إصدارها في شكل قانون ؟
في الواقع أن حل هذهِ المسألة يرجع إلى القانون الداخلي لكل دولة ، فهناك دول تنص دساتيرها على اعتبار المعاهدات في حكم القانون بتمام إبرامها دون الحاجة إلى تشريع داخلي ، ويكون للمعاهدات قيمة قانونية ملزمة في مواجهة الأفراد والمحاكم تساوي قيمة التشريع الداخلي ، هذا في حالة ما إذا كانت المعاهدة ذاتية النفاذ أي التي تكون بطبيعتها أو بمقتضى نص صريح فيها ، لا تحتاج إلى تشرع لجعلها سارية المفعول في المجال الداخلي ، أما إذا كانت المعاهدة لا ذاتية النفاذ فلا بد لتنفيذها من صدور تشريع خاص ، وهناك دول أخرى تنص دساتيرها على وجوب اتخاذ إجراءات تشريعية داخلية حتى تصبح المعاهدة سارية المفعول في المجال الداخلي .
خامسا/ التنازع بين المعاهدة والتشريع الداخلي : أن تنفيذ المعاهدات داخل الدول قد يؤدي في بعض الأحيان إلى حصول التنازع بين أحكام المعاهدة التي ترتبط بها الدولة وبين أحكام تشريعها الداخلي ، فقد تنظم المعاهدات حالات لم يسبق للقانون الداخلي تنظيمها ، وقد تعني بتنظيم حالات سبق أن نظمها قانون داخلي ، وفي هذهِ الحالة قد تتفق أحكام القانون الداخلي وأحكام المعاهدة الدولية ، وقد يكون بين إحكام كل منهما تناقض أو تعارض ، فأي طريق يسلك القاضي الوطني إذا وجد أمامه نصا في القانون الداخلي يتعارض مع نص وارد في معاهدة عقدتها دولته ، أيطبق القانون أم يطبق إحكام المعاهدة؟
في الواقع أن حل المسألة التنازع بين المعاهدة والقانون الداخلي العام أمام المحاكم الوطنية يتوقف على وجود نص دستوري يقضي بتغليب المعاهدات على القانون الداخلي أو انعدامه.
آ- في حالة وجود نص دستوري : أن دساتير بعض الدول تنص صراحة على تغليب المعاهدات على القوانيين الداخلية ، ففي فرنسا تتغلب المعاهدات منذ نشرها طبقا للمادة 55 من دستور عام 1958 على القوانيين الداخلية الفرنسية .
ب- في حالة عدم وجود نص دستوري : يجب التمييز بين حالتين ، الأولى: أن يكون التشريع سابقا على المعاهدة ، والثانية: أن يكون التشريع لاحقا لها ، ففي الحالة الأولى ؛ لا يلقى القاضي الوطني أي صعوبة إذ يطبق نصوص المعاهدة ويهمل القانون الداخلي ، وذلك بالاستناد إلى المبدأ الذي يحكم تنازع القوانيين من حيث الزمان ، أي مبدأ نسخ القانون السابق بالقانون اللاحق ، وبما أن المعاهدة من حيث القوة تعادل القانون فتعتبر في هذهِ الحالة بمثابة قانون جديد ينسخ القانون القديم ، أما الحالة الثانية؛ إذا كان التشريع لاحقا للمعاهدة ، فأن القاضي الوطني يميز بين حالتين : حالة سكوت أو غموض التشريع اللاحق حيث موقفه من المعاهدة ، وحالة ثبوت نية المشرّع بوضوح وصراحة في مخالفة بنود المعاهدة السابقة ، ففي حالة سكوت التشريع أو غموضه يفترض القاضي الوطني ، أن المشرّع لم يقصد مخالفة المعاهدة السابقة بل أنهُ أراد ضمننا الاحتفاظ بها وتطبيقها إلى جانب تطبيق أحكام التشريع اللاحق ، ومن ثمَ يسعى القاضي للتوفيق بين المعاهدة والتشريع اللاحق على أساس النية المفترضة للمشرّع ، لأنها غير واردة في هذا الصدد ، فيضطر القاضي الوطني أن يطبق التشريع اللاحق ويهمل أحكام المعاهدة السابقة ، وأن أدى ذلك إلى أن تتحمل دولته تبعية المسؤولية الدولية المترتبة على الإخلال بالمعاهدة.
23
الفرع الرابع : أثر المعاهدات
تحدث المعاهدات أثرها أولا بين الدول الأطراف فيها ، وقد يمتد أثرها في بعض الحالات إلى دول لم تشارك في إبرامها .
أولا / أثر المعاهدات بالنسبة لأطرافها :
آ- الالتزام بتنفيذ المعاهدة : المعاهدات لها قوة القانون فيما بين أطرافها ، فهي تلزم جميع الدول التي صدقت عليها أو أنضمت إليها تطبيقا للقاعدة العامة التي تقضي بأن (العقد شريعة المتعاقدين) على أطراف المعاهدة أن يتخذوا الاجراءات الكفيلة بتنفيذها ، فأن قصروا في القيام بهذا الالتزام ترتبت عليهم تبعة المسؤولية الدولية ، وقد أكدت هذا المبدأ أتفاقية فيينا في المادة 26 بقولها ( كل معاهدة نافذة تكون ملزمة لاطرافها وعليهم تنفيذها بحسن نية ) وعليه لا يجوز لأحد أطراف المعاهدة أن يحتج بقانون الداخلي لكي يتحلل من الالتزامات التي تفرضها المعاهدة علية ، وقد أشارت إلى ذلك أتفاقية فيينا في المادة 27 .
ب- النطاق الأقليمي لتطبيق المعاهدات الدولية : القاعدة العامة المقررة في ذا الصدد ، هي أن المعاهدة إذا أصبحت نافذة فأنها تصبح واجبة التطبيق على كافة أقاليم كل الدول الأطراف فيها ، إلاّ إذا نصت المعاهدة صراحة على خلاف ذلك ، وقد أكدت أتفاقية فيينا ذلك في المادة 29 ، إلاّ أنهُ في بعض الأحيان تنص المعاهدة على عدم سريانها على هذا الجزء أو ذلك من أقليم الدولة أو على سريانها مناطق معينة ويكون ذلك بمقتضى شرط صريح فيها ، من ذلك مثلا؛ معاهدات المساعدة المتبادلة التي تحدد الأقاليم التابعة للدول الأطراف التي تستفيد من نظام المساعدة.
ج- تطبيق المعاهدة من حيث الزمان : عدم رجعية المعاهدات : الأصل في القانون الدولي العام شأنهُ شأن القانون الداخلي ، هو عدم رجعية القواعد الدولية وخاصة المعاهدات الدولية، بمعنى أن قواعده لا تسري إلاّ على الحالات والعلاقات التي تنشأ بعد نفاذها دون أن تنسحب على العلاقات والمراكز التي تمت في الماضي ، وقد أكدت اتفاقية فيينا على مبدأ عم رجعية المعاهدات في المادة 28 منها ، قد جرى النص على هذا المبدأ في المعاهدات الدولية لا سيما في معاهدات الإحالة على التحكيم أو التسوية القضائية ، كما أن المحاكم الدولية قد أكدت على هذا المبدأ في العديد من الإحكام التي أصدرتها ، هذا هو المبدأ ، إلاّ أن هناك استثناءات نصت عليها العديد من الاتفاقات الخاصة بتقرير التعويض وفقا لقواعد المسؤولية الدولية ، نذكر من ذلك الاتفاقية الألمانية الأمريكية المعقودة في برلين عام 1922 بصدد أنشاء هيئة للفصل في تعويض ألمانيا للولايات المتحدة الأمريكية على ما لحقها من أضرار خلال الحرب العالمية الأولى .
ثانيا/ أثر المعاهدات بالنسبة للغير : تقضي القاعدة العامة بأن المعاهدات الدولية لا تلزم إلاّ عاقديها ، ولا يمتد أثرها إلى دول ليست طرفا فيها ، وهذا ما يطلق عليه ( مبدأ نسبية المعاهدات) فالمعاهدة حسب هذا المبدأ لا تكون مصدر حق أو ألتزام للغير ، وقد أكد القضاء الدولي هذا المبدأ في العديد من الأحكام التي أصدرها من ذلك القرار الذي أصدرتهُ محكمة العدل الدولية الدائمة في 25 آيار عام 1926 في قضية شورزو بين ألمانيا وبولونيا من أن ( المعاهدة لا تنشيء حقوقا إلاّ بين الدول الأطراف فيه) وقد تبنت أتفاقية فيينا هذا المبدأ بنصها في المادة 34 على أن : ( المعاهدة لا تنشىء حقوقا أو ألتزامات للدول الغير دون رضاها) هذا هو المبدأ غير أن هناك أستثناءات ترد على هذا المبدأ ، فقد يحصل أن تستفيد دولة من معاهدة ليست طرفاً فيها ، من ذلك:
آ- شرط الدولة الأكثر رعاية : تنص بعض المعاهدات الاقتصادية والتجارية والملاحة والقنصلية والكمركية ، وكذلك أتفاقات أقامة الأجانب وأتفاقات العمل ، وعلى أساس التعامل بالمثل ، على شرط الدولة الأكثر رعاية ، وهو أن تتعهد الدولتان بأن تسمح كل منهما للأخرى بالاستفادة من أي أمتياز تمنحهُ في المستقبل لدولة أو دول غيرهما بالنسبة لأمر من الأمور ثم التعاقد بينهما عليه ، فإذا اتفقت أحدى الدولتين النتعاقدين بعد ذلك مع دولة ثالثة على منحها حقوقا أو امتيازات لم ترد في المعاهدة المعقودة بينهما ، كان للدولة الثانية الطرف في هذهِ المعاهدة الحق في الأستفادة من هذهِ الحقوق والمزايا استنادا إلى الشرط المذكور أو بعبارة أخرى ، كان لها أن تستفيد من أتفاق ليست طرفا فيه ودون أن تنظم لذلك.
ب- الاشتراط لمصلحة الغير : يجيز القانون الداخلي للغير ، اكتساب الحقوق بمقتضى عقود لم يكن طرفا في عقدها ، ويثور التساؤل : حول ما إذا كان القانون الدولي قد عرف هذا النظام ، وأذا كان قد عرّفهُ فهل يشترط قبول
24
الغير بالحقوق التي ترتبها المعاهدة ، وهل لهُ أن يتمسك بالمعاهدة التي لم يكن طرفاً فيها إذا ما تم تعديلها أو إلغاؤها دون الحصول على رضاه المسبق ؟
لقد أجابت محكمة العدل الدولية الدائمة على هذا التساؤل في الحكم الذي أصدرتهُ في 7 حزيران عام 1932 في النزاع الفرنسي السويسري في قضية المناطق الحرة والذي جاء فيه ( إذا كان من المتعذر القول بأن المعاهدات التي تقرر أحكاما لصالح دولة أو لعدة دول ليست طرفا فيها ترتب لهم بالضرورة (حقوقا) بالمعنى الدقيق ، إلاّ أنهُ هناك ما يمنع من أن تتجه إرادة أطراف المعاهدة من ترتيب مثل هذا الأثر ، بمعنى (أن ترتب للدول الغير حقوقا مكتسبة ناشئة عن هذهِ المعاهدة التي لم يكن طرفا فيها ، واستخلاص ما إذا كانت الدول الأطراف قد قصدت أنشاء حقوق بالمعنى الدقيق لصالح الدول الغير يتوقف على ظروف كل حالة على حده ) وقد وجدت المحكمة من ظروف قضية المناطق الحرة أن معاهدة فيينا ترتب حقوقا بالمعنى الدقيق لصالح سويسرا ، فقررت ( بعدم إمكان النيل من حقوق سويسرا دون رضاها)، وقد تبنت اتفاقية فيينا ما قضت به محكمة العدل الدولية الدائمة في المادة 36 منها .
ج- المعاهدات التي ترتب التزامات على عاتق الغير :القاعدة العامة المقررة في هذا الصدد ؛ هي أن المعاهدات تنشىء التزامات على عاتق الدول الغير ، لا يمكن أن تسري في مواجهتها بدون رضاها وقد بينت اتفاقية فيينا ذلك في المادة 35 ، لا بد إذا من اتفاق أضافي بين الدولة التي تلتزم بمعاهدة ليست طرفا فيها وبين مجموعة الدول الأطراف فيها يمثل الأساس الإرادي لالتزام الدولة الغير من ناحية ، كما أن إلغاء أو تغيير هذهِ الالتزامات لا يتم برضا الدول الأطراف والدولة الغير من ناحية أخرى .
د – المعاهدة المنظمة لأوضاع دائمة : تلتزم الدول كافة باحترام المبادئ الواردة في المعاهدات الشارعة المنظمة لأمور تهم المجتمع الدولي إذا ما استقرت هذهِ المبادئ في العرف الدولي، من ذلك حالات الحياد الدائم لبعض الدول ، كمعاهدة فيينا لسنة 1815 التي فرضت حياد سويسرا الدائم ، فإن نظام الحياد لا يفرض نفسه على الدول الموقعة على معاهدة الحياد فحسب ، ولكنهُ يسري بمواجهة جميع الدول ، فهذهِ المعاهدات ينصرف أثرها للغير باعتبار أنها تتفق مع الصالح العام للجماعة الدولية ، وأنهُ في مقدور الدول التي شاركت فيها أن تلتزم باحترامها ، مثال ذلك؛ المادة الثانية فقرة 6 من ميثاق الأمم المتحدة فقد نصت على أن تعمل الهيئة على أن تسير الدول غير الأعضاء فيها على مبادئ الأمم المتحدة بقدر ما تقتضيه ضرورة حفظ السلم والأمن العالمي .
هـ - الانضمام اللاحق : يفرق الشُراح بين المعاهدات المقفلة والمعاهدات المفتوحة ، والمعاهدات المقفلة هي التي لا تحتوي على نص يبيح أنضمام الدول الأخرى إليها ومن ثم يكون من اللازم لانضمام الغير حصول مفاوضات مع أطراف المعاهدة الأصليين وقبولهم لهذا الانضمام ، أما المعاهدة المفتوحة فهي التي تحوي نصا يبيح انضمام الغير إليها أو قبولها لها ويكون من حق كافة الدول الانضمام للمعاهدات الجماعية العامة إلاّ إذا نصت المعاهدة على خلاف ذلك .
الفرع الخامس/ تفسير المعاهدات
أن تفسير المعاهدات ، مثل ؛ تفسير أي نص قانوني يقصد به الوقوف على المعنى الذي تتضمنهُ نصوصها وإلى تحديد نطاق النصوص الغامضة أو المبهمة ، وسنبحث فيما يلي نبحث السلطة المختصة بالتفسير ووسائل التفسير :
آ- السلطة المختصة بالتفسير : أن تفسير المعاهدات يمكن أن تثار على الصعيدين الدولي والداخلي .
أولا : على الصعيد الدولي : أي على صعيد العلاقات بين الدول الأطراف في المعاهدة ، فأن التفسير يتم بطريقتين :
1- باتفاق الدول الأطراف وذلك أما صراحة بعقد أتفاق تفسيري يتخذ شكل الاتفاق المبسط أو بتبادل الكتب أو المذكرات أو برتوكول يلحق بالمعاهدة .
2- عن طريق القضاء الدولي : في حالة عدم توصل الدول الأطراف إلى أتفاق على التفسير فأن ذلك يؤدي إلى نشوء نزاع دولي يمكن تسويته بكافة وسائل تسوية المنازعات الدولية ، وبصورة خاصة بالوسائل القضائية بعرض الخلاف على التحكيم أو محكمة العدل الدولية لأن المنازعات المتعلقة بتفسير المعاهدات تعتبر منازعات قانونية وتدخل بالتالي في صميم اختصاص القضاء الدولي .
25
ثانيا/ على الصعيد الداخلي : أن التفسير الداخلي يتم بطريقتين :
1- بواسطة السلطة التنفيذية : أي الجهاز الذي عقدَ المعاهدة هو الذي يختص بتفسيرها ، أما بناء على طرف الطرف الثاني وغن طريق الإحالة إليها من المحاكم الداخلية .
2- بواسطة السلطة القضائية : أن معظم الدول لا تسمح لقضائها الداخلي بالتعرض لتفسير المعاهدات إلاّ في حالات الفصل في الدعوى المطروحة والمتعلقة بمصالح الأفراد لئلا يؤدي ذلك إلى التدخل في أعمال الحكومة أو أنتقاد الدول الأجنبية ولو بصورة غير مباشرة .
ب- وسائل التفسير : أستخلص التحكيم والقضاء الدوليين مجموعة من القواعد في تفسير المعاهدات ، دونتها اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات في المواد 13، 32، 33 ونعرض فيما يلي لشرح هذهِ المواد الثلاث .
أولا : المبادئ المتبعة في تفسير المعاهدات الدولية: تضمنت الفقرة الأولى من المادة 31 من اتفاقية فيينا المبادئ الواجب أتباعها عند تفسير معاهدة ما فقررت ( تفسر المعاهدة بحسن نية طبقا للمعنى العادي لألفاظ المعاهدة في الإطار الخاص بها وفي ضوء موضوعها والغرض منها) ، ويتضح من هذا النص أن هناك أسساً ثلاثة ينبغي الاستناد إليها في عملية التفسير ، هي :
1- تفسير المعاهدة وفقا لمبدأ حسن النية : بقضي مبدأ حسن النية بالبحث عن الأمور التي أرادت الأطراف قولها حقيقة ، وقد أكد معهد القانون الدولي ذلك في القرار الذي أتخذه في دورة انعقاده في 19 نيسان 1956 من أن : ( تفسير نصوص المعاهدة يجب أن يكون بموجب حسن النية ) كما أن القضاء الدولي قد أكد هذا المبدأ ، من ذلك نذكر حكم محكمة العدل الدولية الدائمة الصادر في 25 آيار 1926 في قضية المصالح الألمانية في سليسيا العليا البولونية .
2- تفسير المعاهدة طبقا للمعنى العادي لألفاظها: أن أغلب المنازعات التي تثار عند تطبيق المعاهدات منشؤها الاختلاف بين الأطراف في تقدير الألفاظ واصطلاحات التي تتضمنها المعاهدة ، ولتوضيح معنى الالفاظ ، فأن أتفاقية فيينا تقضي بأن تكون طبقا للمعنى العادي وهذا يعني أن النص إذا كان واضحا ومعناه مألوفا فيجب الوقوف عند هذا المعنى دون محاولة التوسع في التفسير عن طريق أعطاء الألفاظ معاني أخرى غير معتاد عليها ، إلاّ إذا ثبت أن نية الأطراف قد اتجهت إلى ذلك ولقد أكد معهد القانون ذلك في دورة انعقاده في كريناد عام 1956 ، كما أن القضاء الدولي قد أشار في العديد من الأحكام التي أصدرها إلى تفسير الألفاظ طبقا للمعنى العادي أو الطبيعي .
3- تفسير المعاهدات في الإطار الخاص بها : يقصد يذلك أنهُ ينبغي الا تفسر نصوص المعاهدة كل نص على حده وكأنهُ مستقل عن باقي النصوص الأخرى ، وإنما ينبغي أن تكمل النصوص بعضها بعضا والا جاءت مبتورة المعنى غير مستقيمة الدلالة ، بعبارة أخرى أ تفسير النص يجب أن يبحث عنهُ في نطاق إطار المعاهدة بأكمله ( باعتبار أن نصوص المعاهدة جميعها تلقي ضوءا على المعنى المراد من النصوص وتفسير النص بمعزل عنها أن يؤدي إلى عدم إدراك المعنى الحقيقي أو التجاوز عن حقيقة الأهداف .
وقد درجت المحاكم الدولية والتحكيم الدولي على الأخذ بهذا المبدأ في العديد من أحكامها ، ويشمل الإطار الخاص بالمعاهدة كذلك على الديباجة التي تتضمن عادة بمادة الأسباب التي أدت إلى عقد المعاهدة والأهداف التي تبتغيها الأطراف المتعاقدة ، والمبادئ التي يلتزم الأطراف بمراعاتها ، وتعتبر الديباجة جزءا لا يتجزأ من المعاهدة وعلى المفسر أن يدخل في اعتباره ما هو ثابت في الديباجة من أهداف ومبادئ، وأظافة لما سبق ذكره ، فأن الإطار الخاص بالمعاهدة لغرض التفسير ، كما نصت على ذلك الفقرة الثانية من المادة 31 من اتفاقية فيينا يشمل إلى جانب نص المعاهدة بما في ذلك الديباجة والملخصات ما يلي :
- أي أتفاق يتعلق بالمعاهدة ويكون قد عقد بين الأطراف جميعا بمناسبة عقد هذهِ المعاهدة .
- أي وثيقة صدرت عن طرف أو أكثر بمناسبة عقد المعاهدة وقبلتها الأطراف الأخرى كوثيقة لها صلة بالمعاهدة .
26
ثانيا / الوسائل المكملة في التفسير : الأعمال التحضيرية :
تثير مسألة الرجوع إلى الأعمال التحضيرية للاستعانة بها في تفسير المعاهدات الدولية ، خلافا في الرأي بين فقهاء القانون الداخلي والدولي ، فعلى الصعيد الداخلي نجد الفقه اللاتيني يجيز الرجوع إلى الأعمال التحضيرية كوسيلة من وسائل التفسير ، بينما الفقه الأنكلوسكسوني يمنع الاستعانة بها لهذا الغرض ، وقد أنتقل نفس هذا الخلاف إلى نطاق القانون الدولي ، فبينما يجيز رأي الرجوع إلى الأعمال التحضيرية نظرا لما تؤدي إليه تلك الأعمال من أمكانية الكشف عن المقاصد الحقيقية لأطراف التعاقد ، وهذا يرجع لما تمثلهُ تلك الأعمال من مقدمة طبيعية تسبق تحرير المعاهدة ، وما تبينه من جهد في اختيار النصوص وصياغتها بما يتفق ومصالح الأطراف ، وبما يتلائم مع أهدافهم ، ومن ثم فأن الحكمة تقضي ضرورة الرجوع إليها للاستفادة منها بما تتضمنه من إيضاحات سبق أن أعرب عنها الأطراف عند تحديد حقوقهم والتزاماتهم ، بينما يمنع رأي آخر هذا الرجوع حرصاً على عدم إلزام الدول الأطراف في هذهِ الارتباطات القانونية بما لم تساهم به من هذهِ الأعمال ، أما القضاء الدولي فأنهُ يميل بوجه عام إلى الاعتماد على الأعمال التحضيرية لتحديد وتعيين المعنى القانوني إذا عجزت الوسائل السابقة الذكر عن تحقيق ذلك ، نذكر عن ذلك الحكم الذي أصدرتهُ محكمة العدل الدولية في عام 18 تموز 1966 في قضية جنوب غرب أفريقيا ، حيث أن المحكمة لم تتردد في اللجوء إلى أعمال مؤتمر الصلح لعام 1919 لتفسير الشرط القضائي الذي في وثيقة الانتداب ، أما اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات ، فقد جاءت مؤيدة لذلك حيث نصت في المادة 32 على أنهُ ( الالتجاء إلى وسائل مكملة في التفسير ؛ في ذلك للأعمال التحضيرية للمعاهدة والظروف الملابسة لعقدها وذلك لتأكيد المعنى الناتج عن تطبيق المادة 31 أو لتحديد المعنى إذا أدى التفسير وفقا للمادة 31 :
آ- بقاء المعنى غامضا أو غير صحيح .
ب- أو أدى إلى نتيجة غير منطقية أو غير معقولة .
ثالثا/ تفسير المعاهدات المحررة بأكثر من لغة : تحرر المعاهدات في الوقت الحاضر بلغات متعددة ، وكثيرا ما تختلف مدلولات ألفاظ هذهِ اللغات عن بعضها ، مما يثير الخلاف بين الأطراف حول تفسيرها غير أن مثل هذا الخلاف يمكن تلافيه في حالة اتفاق الأطراف على جعل أحدى اللغات التي حررت بها المعاهدة ، المرجع الذي يعول عليه عند حصول خلاف عند حصول خلاف حول تفسير نص من نصوص المعاهدة ، غير أن ما يجري عليه اعمل فعلاً ليس كذلك دائما ، إذ كثيرا مايتم تحرير المعاهدات الدولية بأكثر من لغة ، وينص صراحة على اعتبار جميع اللغات التي استعملت في تحرير تلك المعاهدة لها قوة رسمية متساوية ، فإذا كان هناك اختلاف في المعنى في مثل هذهِ المعاهدات نتيجة لاختلاف اللغات المستعملة ، فأن التفسير في هذهِ الحالة ، يجب أن يتم على أساس المعنى الضيق الذي يستجيب للمعاني المثبتة في النصوص المحررة باللغات المستعملة جميعا ، وقد أخذت محكمة العدل الدولية الدائمة بهذا المعنى في حكمها الصادر في 30 آب 1924 في قضية مافروماتيس ، حيث ذكرت فيه أنهُ ( في حالة وجود نص قانوني محرر بلغتين مختلفتين لها قوة رسمية متساوية ، ويبدو معنى أحدهما أوسع من الآخر ، فأنهُ ينبغي الأخذ بالمعنى الأضيق بأعتباره القدر المتيقن الذي يتفق مع النية المشتركة لأطراف المعاهدة) ، أما اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات ، فقد عالجت تفسير المعاهدات المحررة بأكثر من لغة في المادة 33 من المعاهدة .
27
تعديل المعاهدات :-
ان مشكلة تعديل المعاهدات كانت محل اهتمام الجماعة الدولية , وتتضمن المعاهدات في الوقت الحاضر نصوصا خاصة بالتعديل لذلك سنبحث اولا المبادي العامة , ومن ثم تعديل المعاهدات المتعددة الاطراف , واخيرا النصوص التي تضمنها اتفاقية فينا لقانون المعاهدات .
أولاً : المبادئ العامة .
في غياب النص الاتفاقي , اي في حالة عدم وجود نص في المعاهدة يبين طريقة تعديلها فان تعديل المعاهدة
يكون باتفاق الاطراف . فاذا كانت المعاهدة ثنائية فان اتفاقا جديدا يبرم وبموجبه تتفق الدولتان على استبدال
نص معلوم بنص جديد , او بعقد معاهدة جديدة تحل بكاملها محل المعاهدة السابقة . اما اذا كانت المعاهدة
متعددة الاطراف لولا يوجد نص معلوم يبين طريقة تعديلها , فان التعديل يتم وفقا لقاعدة اغلبية الثلثين . وقد
اكدت اتفاقية فينا ذلك في المادة 39 بنصها ( يجوز تعديل المعاهدة باتفاق الاطراف وتسري القواعد الواردة
في الباب الثاني على مثل هذا الاتفاق ما لم تنص المعاهدة على غير ذلك ) وهكذا فان الاتفاق المعدل وفقا لهذه
المادة يخضع للقواعد العامة المتعلقة بابرام المعاهدات , ومن الملاحظ ايضا ان هذا النص لا يلزم جميع
الاطراف الاشتراك في تعديل المعاهدة , وانما يتحدث عن الاتفاق بين الاطراف وليس الاتفاق بين جميع
الاطراف .
ثانياً : تعديل المعاهدات المتعددة الاطراف .
ان تعديل المعاهدات المتعددة الاطراف له اهمية خاصة , لانها تضع قواعد عامة تهم عددا كبيرا من الدول
ودون ان تحدد في الغالب لسريانها وان تعديلها يجب ان يكون تبعا للظروف والحاجة . وتتضمن المعاهدات
المتعددة الاطراف عادة نصوصا تبين الاجراءات التي تتبع في تعديلها , ومن كثير من الحالات تنص هذه
المعاهدات على تدخل المنظمات الدولية في اجراء التعديل , لذا سندرس تعدد المعاهدات بين اطرافها ومن ثم
تدخل المنظمات في اجراء التعديل .
أ – تعديل المعاهدات بين الدول الاطراف : -
القاعدة العامة هي ان الدول الاطراف في المعاهدة هم الذين يباشرون اجراء التعديل . الا ان الاحكام التي
تتضمنها هذه المعاهدات فيما يتعلق بتعديلها تختلف من معاهدة لاخرى .
1. بعض المعاهدات تمنع اجراء التعديل الا بعد مضي مدة من تطبيق المعاهدة , مثال ذلك اتفاقية مونترو لعام 1936 التي نصت في المادة 29 على عدم جواز اجراء التعديل الا بعد مضي خمس سنوات من تاريخ دخول الاتفاقية دور النفاذ .
2. بعض المعاهدات تنص على عقد مؤتمرات دورية كل خمس سنوات للنظر في المعاهدة وامكانية تعديلها من ذلك المادة 8 /3 من معاهدة حضر انتشار الاسلحة النووية المعقودة في 1 تموز عام 1968 .
3. بعض المعاهدات تخول جهة الايداع مهمة الدعوة الى عقد مؤتمر للتعديل . بناءا على طلب ثلاث دول الاطراف في المعاهدة من ذلك المادة الثانية من اتفاقية موسكو لعام 1963 حول حضر التجارب النووية .
4. ان اعتماد اتفاق التعديل ودخوله دور النفاذ يكون بالاغلبية . لكن هناك معاهدات تتطلب موافقة دول معنية لنفاذ التعدد , من ذلك المادة 8/2 من اتفاقية حضر انتشار الاسلحة النووية .
28
ب – تدخل المنظمات الدولية في اجراء التعديل :-
يجب التمييز بهذا الصدد بين ثلاثة انواع من المعاهدات .
1. المعاهدات التي تبرم تحت اشراف المنظمات الدولية :- المعاهدة التي تبرم تحت اشراف المنظمة الدولية تؤدي الى تدخل المنظمة في اجراء التعديل , من ذلك جميع اتفاقات تدوين القانون الدولي التي ابرمت تحت اشراف الامم المتحدة مثال ذلك اتفاقية جنيف الخاصة بالجرف القاري عام 1958 والتي نصت في المادة 13 على انه .
- بعد انقضاء خمس سنوات من تاريخ دخول هذه الاتفاقية دور التنفيذ يجوز لكل طرف متعاقد ان يطلب في اي وقت تعديلها باعلان كتابي يرساله الى سكرتير عام الامم المتحدة .
- تقرر الجمعية العامة للامم المتحدة الاجراءات اللازم اتخاذها بالنسبة لمثل هذا الطلب .
2. المعاهدات التي تبرم في المنظمات الدولية :- لتعديل اتفاقيات العمل الدولية مثلا , فان مجلس ادارة منظمة العمل الدولية هو الذي له حق اقتراح التعديل , ثم يتولى مؤتمر عام منظمة العمل الدولية اعداد واعتماد اتفاق التعديل .
3. المعاهدات المنشئة للمنظمات الدولية :- تنظم المعاهدات المنشئة للمنظمات الدولية بدقة جميع النواحي القانونية المتعلقة بتعديلها بما في ذلك آثارالتعديل . ويقتضي لتعديل مثل هذه المعاهدات توافر عنصرين هما : اتفاق اجهزة المنظمة الدولية من ناحية واتفاق الدول الاعضاء من ناحية اخرى . وتمر اجراءات التعديل بمرحلتين . الاولى , هي مرحلة التصويت على التعديل داخل الهيئة او المؤتمر . الثانية , هي مرحلة التصديق على اتفاق التعديل باعتباره شرطا لدخوله دور النفاذ . والنصوص التي تتضمنها هذه المعاهدات المتعلقة بتعديلها تختلف من معاهدة لاخرى الامر الذي يقتضي بيان ما يأتي :
- هناك معاهدات تميز بين التعديل واعادة النظر بالمعاهدة ككل . مثال ذلك ميثاق الامم المتحدة الذي نص في المادة 108 على تعديل الميثاق , وفي المادة 109 على اعادة النظر في الميثاق .
- هناك معاهدات تمنع اجراء تعديلها خلال فترة معينة , والهدف من ذلك هو تقرير نوع من الاستقرار للمنظمة . مثال ذلك معاهدة حلف شمال الاطلسي لعام 1949 التي قررت في المادة 12 عدم السماح بتقديم طلبات لتعديل المعاهدة الا بعد مضي عشر سنوات من دخول المعاهدة حيز التنفيذ .
- دخول التعديل دور النفاذ :
أ – التعديل بالاجماع : هناك معاهدات تتطلب اجماع الدول الاعضاء على التعديل حتى يمكن
تجنب اعتراض الدول على ما قد يطرأ من تعديلات لم توافق عليها واشتراط الاجماع
يتعلق عادة بسريان التعديل اذ يتعين تصديق الدول على التعديل حتى يسري في مواجهتها
مثال ذلك المادة 236 – 3 من معاهدة الجماعة الاوربية للفحم والصلب .
ب – التعديل باغلبية الثلثين : تأخذ معظم المعاهدات المنشئة للمنظمات الدولية بقاعدة اغلبية
الثلثين لاجراء التعديل الا ان هذا التعديل لايصبح نافذا الا اذا صدقت عليه ثلثا الدول
الاعضاء ومن امثلة ذلك مواثيق منظمة الصحة العالمية الوكالة الدولية للطاقة الذرية ,
منظمة العمل الدولية وغيرها .
ج – التعديل باغلبية معينة : مثال ذلك ميثاق الامم المتحدة الذي اشترط لنفاذ التعديل تصديق
الدول الخمس الكبرى عليه .
- اثر التعديل بالنسبة للدول التي لا تصدق عليها : تقسم التعديلات من حيث اثارها الى نوعين رئيسيين . تعديلات تلزم جميع الدول الاعضاء , وتعديلات لاتلزم الا الدول التي قبلته .
29
أ – التعديلات التي تلزم جميع الدول الاعضاء : تنص مواثيق بعض المنظمات الدولية على
سريان التعديلات على جميع الدول الاعضاء اذا ما صدقت عليها اغلبية الدول الاعضاء
ومن امثلة هذه المنظمات الامم المتحدة ( م-108 )
ب – التعديلات التي لاتلزم الا الدولة التي قبلته : تنص مواثيق بعض المنظمات الدولية على
عدم سريان التعديلات الا في مواجهة الدول التي صدقت عليها اي انها لاتلزم الا هذه
الدول . كما هو الحال في جامعة الدول العربية .
ج – الانسحاب وسحب العضوية : تنص بعض المواثيق على حق الدول التي لاتوافق على
التعديل من الانسحاب من المنظمة مثال ذلك المادة 19 من ميثاق جامعة الدول العربية
التي تجيز للدولة التي لاتقبل التعديل ان تنسحب عند تنفيذه
- تطبيق اجراءات التعديل : لقد جرى تعديل مواثيق العديد من المنظمات الدولية من ذلك ميثاق الامم المتحدة حي
لمعرفة الآثار القانونية المترتبة على التحفظات يجب التمييز بهذا الصدد بين المعاهدات الثنائية والمعاهدات الجماعية.
1. المعاهدات الثنائية :- لا يمكن إبداء التحفظ إلا عند التوقيع على المعاهدة أو عند التصديق عليها وفي هذه
الحالة يكون التحفظ بمثابة عرض جديد للطرف الآخر الذي له أن يقبل المعاهدة مع
التحفظات المضافة إليها أو أن يرفضها وبالتالي يقضي عليها .
2. المعاهدات الجماعية :- يمكن إبداء التحفظات عند التوقيع على المعاهدة أو التصديق عليها أو الانضمام إليها
ويكون التحفظ مشروعاً وجائزاً ما دام لا يتعارض مع موضوع المعاهدة
والأغراض التي من اجلها عقدت المعاهدة وذلك ما لم ينص في المعاهدة على عدم
جواز التحفظ بصفة عامة أو على بعض نصوصها .
شروط صحة انعقاد المعاهدات :-
يشترط لصحة انعقاد المعاهدة توافر ثلاثة شروط , أهلية التعاقد , الرضا ومشروعية موضوع المعاهدة .
1. أهلية التعاقد :- يملك أشخاص القانون الدولي أهلية إبرام الاتفاقات الدولية ويتمتع بهذه الشخصية في الوقت
الحاضر الدول والمنظمات الدولية والفاتيكان .
أ- بالنسبة للدول :- يشترط أن تكون متمتعة بتمام الأهلية الدولية أي أن تكون تامة السيادة لكي تستطيع إبرام
المعاهدات أيا كان موضوعها أما إذا كانت الدولة ناقصة السيادة ( كالدولة المحمية أو
الموضوعة تحت الوصاية ) فأهليتها لإبرام المعاهدات ناقصة أو منعدمة وفقا لما تتركه
لها علاقة التبعية من الحقوق . لذا يجب دائما الرجوع الى الوثيقة التي تحدد مركزها
القانوني الدولي لمعرفة ما تملك إبرامه مع الاتفاقات الدولية وما لا تملكه . كذلك لا يجوز
للدولة الموضوعة في حالة حياد دائم أن تبرم من المعاهدات ما يتنافى مع حالة الحياد
كمعاهدات التحالف أو الضمان المتبادل , أما الدول الأعضاء في الاتحاد الفدرالي فيرجع
بالنسبة لها الى دستور الاتحاد لمعرفة ما إذا كانت كل منها تملك إبرام المعاهدات على
انفراد أم لا وفي الغالب فأن الدساتير الاتحادية لا تجيز للدول الأعضاء إبرام اتفاقات
دولية بصورة مباشرة . إلا أن بعض الدساتير الاتحادية تمنح الدول الأعضاء إبرام بعض
أنواع المعاهدات المحدودة تحت إشراف الاتحاد مثال ذلك مايقض به الدستور
السويسري في مادته الثامنة من جواز قيام المقاطعات السويسرية بعقد اتفاقات لتنظيم
شؤون الجواز والحدود .
ب – بالنسبة للفاتيكان :- له أهلية إبرام الاتفاقات الدولية كما أن الكرسي البابوي يستطيع أن يكون طرفا في
جميع الاتفاقات التي يرغب بها . إلا أن الاتفاقات التي يعقدها الكرسي البابوي في
الوقت الحاضر لا تبرم باسم دولة الفاتيكان ولكن باسم الكرسي البابوي أي باسم
السلطة التي تمثل الكنيسة الكاثوليكية الرومانية .
ج – بالنسبة للمنظمات الدولية :- تملك هي الأخرى أهلية إبرام المعاهدات الدولية, نتيجة لتمتعها بالشخصية
الدولية إلا أن أهليتها لإبرام المعاهدات محدودة بالأغراض التي من
اجلها أنشئت كمنظمة دولية .
19
2. الرضا :- يشترط لصحة انعقاد المعاهدة أن لا تكون مشوبة بأحد عيوب الرضا . وعيوب الرضا الغلط
والتدليس والإكراه , وهي عيوب تفسد الرضا متى توافرت شرائطها التي بينها القانون الخاص .
وتلعب نظرية عيوب الرضا دورا مهما في القانون المدني الخاص , إلا أنها ليست لها سوى أهمية
ضئيلة في نطاق القانون الدولي , إذ لا يمكن في القانون الدولي العام الاحتجاج بالبطلان بسبب
الغلط أو التدليس أو الغبن أو الإكراه بالطريقة نفسها المتبعة في القانون المدني , وذلك لان
المعاهدة تعد تامة إلا إذا مرت بسلسلة من الإجراءات تفحص خلالها فحصا كافيا وانه من الممكن
تبين هذه العيوب قبل أن تصبح المعاهدة تامة . ومع ذلك فان الدولة إذا اكتشفت بعد إبرام المعاهدة
أنها وقعت في غلط أو أنها كانت ضحية التدليس أو الإكراه , جاز لها لن تطعن في عدم صحة
رضاها بأحكام المعاهدة أو أحكام نص في تلك المعاهدة وذلك على النحو الآتي :-
أ – الغلط :- إن اصطلاح الغلط في المعاهدات الدولية له معنيان :
الأول : الغلط في صياغة نص المعاهدة , فإذا ما ظهر بعد اختفاء الصفة الرسمية على
المعاهدة أنها تحتوي على خطأ فالإجراء في هذه الحالة هو تصحيح الخطأ .
الثاني : الغلط في الرضا , إذا كان الغلط يتصل بواقعة معينة أو موقف معين كان من
العوامل الأساسية في ارتضاء الأطراف الالتزام بالمعاهدة فهذا النوع من الغلط
الذي ينصب على عنصر جوهري من عناصر المعاهدة التي قامت موافقة
الأطراف على أساسه هو الذي يشكل عيبا من عيوب الإرادة ويكون سببا من
أسباب بطلان المعاهدة . ولقد أكدت محكمة العدل الدولية على ذلك في الحكم
الذي أصدرته في 20 حزيران عام 1959 بخصوص السيادة على بعض مناطق
الحدود بين هولندا وبلجيكا , والذي جاء فيه أن الغلط يجب أن يكون ذا خطورة
كافية لتأشير في رضا الدول والغلط الذي تتوافر فيه هذه الخطورة هو ذلك الذي
يصب على واقعة تعتبر عنصرا جوهريا في رضا الدول المتعاقدة . ولقد تبنت
اتفاقية فينا هذه المبادئ بنصها في المادة الثامنة والأربعين .
ب – التدليس وإفساد ممثل الدولة :- يقصد بالتدليس استخدام الخداع في المفاوضات كأن يعمد احد
الأطراف المتفاوضة خداع الطرف الأخر عن طريق ادلائة
بمعلومات كاذبة أو تقديم المستندات على أنها صحيحة أو
أي طرق خداع أخرى دون أن يعلم الطرف
الآخر بالأمر ولو عرف لم يرتضي بإبرام المعاهدة .
والدولة إذا ما اكتشفت بعد إبرام المعاهدة أنها كانت ضحية
التدليس , جاز لها أن تطالب بإبطال المعاهدة
نتيجة لوقوعها في التدليس وقد أشارت الى ذلك اتفاقية فينا
في المادة 49 . كما خصصت اتفاقية فينا نصا خاصا يتعلق
بإفساد ممثل الدولة كعيب من عيوب
الإرادة لم يكن معروفا من قبل وإنما استحدثته هذه الاتفاقية
وجاء ذلك من خلال المادة 50 من الاتفاقية فلو قامت دولة
ما برشوة ممثل الدولة الأخرى لإغرائه
على إبرام المعاهدة فان هذا يعتبر فساد لإرادة هذا الممثل
يتيح للدولة المعنية المطالبة بإبطال المعاهدة أما أعمال
المجاملات فلا تعني إفسادا لإرادة ممثل الدولة .
(20)
ج – الإكراه :- فيما يتعلق بعيب الإكراه فيجب التمييز بين حالتين , حالة وقوع الإكراه على ممثلي
الدولة , وحالة وقوعه على الدولة ذاتها , ففي حالة وقوع الإكراه على أشخاص
ممثلي الدولة فقد اتفقت أراء الفقهاء على إن استعمال الإكراه مع المفاوضين يفقد
المعاهدة قوتها الإلزامية ويؤدي بالتالي الى بطلانها وقد نصت المادة 51 من
اتفاقية فينا لقانون المعاهدات لسنة 1969 على انه ( لا يكون لتعبير الدولة عن
ارتضائها الالتزام بمعاهدة أي اثر قانوني إذا اصدر نتيجة إكراه ممثلها بأفعال أو
تهديدات موجهة له , أما الإكراه الواقع على الدولة ذاتها لإرغامها على قبول
معاهدة لا ترغب فيها في الأصل فلم تتفق كلمة الفقهاء بشأنه فذهب البعض وهم
الأقلية الى القول ( بعدم جواز إرغام أي شعب على قبول معاهدة تفرض عليه
أوضاعا أو أحكاما لا يقرها , لمجافاة ذلك لمبادئ العدل والإنسانية والقواعد
القانونية الأولية من ناحية , ولأنه يؤدي الى عدم استقرار الوئام بين الشعوب من
ناحية أخرى ) وفي رأي غالبية الفقهاء التقليديين انه لا يجوز لدولة ما الاحتجاج
بالإكراه للتوصل الى إبطال (معاهدة أبرمتها تحت تأثير ضغط سياسي أو
عسكري أو ظروف لم تترك لها حرية الاختيار من قبولها , لان هذا يؤدي الى
عدم استقرار الأمور والأوضاع في المحيط الدولي ويقلل من قيمة المعاهدات
ويعطي الفرصة لكل دولة تريد التحرر من التزاماتها في معاهدة ما تطالب
بإبطالها بدعوى أنها لم تبرمها إلا مكرهة ) وعليه تعد معاهدات الصلح التي
تعقب الحروب في رأي هؤلاء الفقهاء معاهدات صحيحة رغم أن الدولة
المنتصرة تمل فيها إرادتها على الدولة المهزومة وإذا كانت قاعدة عدم جواز
الاحتجاج بالإكراه لإبطال المعاهدات تتماشى مع الحالة
البدائية للمجتمع الدولي قبل عصر التنظيم الدولي فإنها أصبحت لا تنسجم مع
الأوضاع الجديدة التي ظهرت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وقيام الأمم
المتحدة فقد حرم الميثاق الالتجاء الى الحروب أو استعمال القوة لتحقيق أغراض
تتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة وعليه تعتبر المعاهدة باطلا بطلانا مطلقا إذا تم
إبرامها نتيجة التهديد باستعمال القوة استخدامها بالمخالفة لمبادئ القانون الدولي
الواردة في ميثاق الأمم المتحدة .
3. مشروعية موضوع المعاهدة :- يجب أخيرا لصحة انعقاد المعاهدة أن يكون موضوعها مشروعا وجائزا
ويكون الموضوع مشروعا إذا كان مما يبيحه القانون الدولي وتقره مبادئ
الأخلاق . ومن الأمثلة على عدم مشروعية موضوع المعاهدة ما يلي :-
أ – المعاهدات التي يكون موضوعها منافيا لقاعدة من قواعد القانون الدولي الآمرة , كما لو اتفقت دولتان
على منع السفر التابعة لدولة ثالثة من الملاحة في أعالي البحار أو على تنظيم الاتجار بالرقيق أو ما شابه
ذلك . وقد أشارت الى ذلك اتفاقية فينا في المواد 53 و64 .
ب – المعاهدات التي يكون موضوعها منافيا لحسن الأخلاق , كاتفاق دولتين على اتخاذ تدابير تعسفية ضد
الأفراد أو ضد جنس معين أو طائفة معينة .
ج – المعاهدات التي تخالف ميثاق الأمم المتحدة فقد نصت المادة 103 من ميثاق الأمم المتحدة على انه ( إذا
تعارضت الالتزامات التي يرتبط بها أعضاء الأمم المتحدة وفقا لأحكام هذا الميثاق مع أي التزام آخر
يرتبطون به فالعبرة بالتزاماتهم المتركبة على هذا الميثاق .
(21)
الفرع الثالث : تنفيذ المعاهدات : تتضمن المعاهدات عادةَ نصا يحدد التاريخ والإجراءات التي تصبح معها المعاهدة نافذة المفعول ، وفي حالة عدم وجود نص ، فالمعاهدات تصبح نافذة المفعول من وقت تبادل التصديقات أو من وقت إيداع التصديقات في المكان المعين ، وتنفيذ المعاهدات يثير مسائل عديدة ، منها ما يتصل بآثار المعاهدات قبل التنفيذ ، وما يتصل بتاريخ البدء بتنفيذ المعاهدات الثنائية أو الجماعية ، ومنها ما يتعلق بتنفيذ المعاهدات داخل الدول وتنازع المعاهدات مع التشريع الداخلي .
أولا : آثار المعاهدات قبل التنفيذ :
آ- عدم أفساد الغرض من المعاهدة : يفترض بالدولة الالتزام بعدم أفساد الغرض من المعاهدة قبل دخولها دور النفاذ ، وقد أشارت إلى ذلك المادة 18 من أتفاقية فينا .
ب – تطبيق بعض شروط المعاهدة قبل دخولها دور النفاذ : ويتم ذلك عندما تتضمن المعاهدة بعض الشروط التي يجب تحقيقها قبل أن تصبح المعاهدة كاملة وقابلة للتنفيذ ، فإذا كانت المعاهدة تنص على وجوب التصديق ، اضطرت الدول الأطراف إلى القيام بهذا الأمر قبل مباشرة التنفيذ.
ج- تنفيذ المعاهدة بصورة مؤقتة : يمكن تنفيذ المعاهدة أو جزء منها بصفة مؤقتة لحين دخولها دور النفاذ ، إذا ما نصت المعاهدة على ذلك ، وغالبا ما يتبع هذهِ الطريقة في المعاهدات المنشئة للمنظمات الدولية وتنفيذ المعاهدة بصورة مؤقتة في هذهِ الحالة ، بكون الغرض منهُ السماح بإقامة الأجهزة الضرورية لإدارة وسير المنظمة .
د- تطبيق المعاهدة على مراحل : كثيرا ما يحصل أن المعاهدة ، حتى بعد دخولها دور النفاذ ، فإنها لا تطبق بكاملها ، وإنما تحدث بعض الآثار المحدودة ، أو بعبارة أخرى ، فإن تنفيذ المعاهدة يجزأ إلى مراحل متتابعة فلا تدخل المعاهدة نطاق التنفيذ الكامل إلاّ بعد أتمام المرحلة النهائية ، ومعنى ذلك أن المعاهدة تحتوي على نظام تدريجي للتنفيذ يتم بعد مدة من الزمن ، وأن التزامات الدول الأطراف لا تصبح كاملة إلاّ بعد مرور هذهِ المدة ، وخير مثال على ذلك ؛ معاهدة روما المنشئة للجماعة الاقتصادية الأوربية ، فقد نصت على فترة انتقال لمدة 12 سنة مجزأة إلى ثلاث مراحل تصل حتى عام 1970 وفي كل مرحلة تطبق بعض نصوص المعاهدة والانتقال من مرحلة إلى أخرى يصار إليه بقرار خاص من الأجهزة المختصة.
ثانيا / تاريخ البدء بتنفيذ المعاهدة الثنائية : أن تاريخ دخول المعاهدة حيز التنفيذ بالنسبة للمعاهدات الثنائية يكون حسب اتفاق الدول الأطراف فيها ، أما عند التوقيع على المعاهدة أو تاريخ استلام كل طرف مذكرة الطرف الآخر ، في حالة تبادل المذكرات أو تاريخ تبادل التصديقات ، وقد يحصل أن تدخل المعاهدة دور النفاذ بعد مدة معينة بمقتضى شرط صريح منصوص عليه في المعاهدة كأن يكون ، مثلا؛ ستة أشهر بعد تبادل التصديقات .
ثالثا/ تاريخ البدء بتنفيذ المعاهدات الجماعية : أن دخول المعاهدات الجماعية دور النفاذ ، يختلف بأختلاف المعاهدات :
آ- المعاهدات ذات الطابع الشخصي : أي تكون شخصية المتعاقدين فيها محلاَ للاعتبار ، فأنهُ يقتضي في مثل هذهِ المعاهدات قبولها من قبل جميع الدول التي شاركت في المفاوضات والتي وقعت عليها حتى تدخل دور النفاذ.
ب- المعاهدات الجماعية العامة : هنا يجب أن التمييز بين اتجاهين متناقضين ، الاتجاه الأول ؛ يركز على الصفة شبه التشريعية للمعاهدة على إخضاع دخول المعاهدة دور النفاذ على قبولها من عدد قليل من الدول من ذلك ، اتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب لسنة 1949 التي قضت المادة 138 بأن تصبح هذهِ الاتفاقية نافذة ، من إيداع وثيقتين تصديق على الأقل ، الاتجاه الثاني ؛ وهو الاتجاه السائد في الوقت الحاضر ، يتضمن في أغلب الحالات ، إخضاع دخول المعاهدة دور النفاذ على قبولها من عدد كافي من الدول إلاّ أن المعاهدة الجماعية العامة التي لا يطبقها عدد كاف من الدول لا يكون لها عادة جدوى حقيقية .
من المعلوم أن تحديد عدد الدول التي تعتبر كافية لدخول المعاهدة دور النفاذ يتوقف على كل معاهدة ، إذ توجد قاعدة عامة بهذا الصدد ، ومن الملاحظ في بعض النماذج من المعاهدات ، أن المعيار الذي يسمح بدخول المعاهدة دور النفاذ ، ليس معيار الكمية أي عدد الدول ، لكن أيضا معيار النوعية أي أهمية الدول التي قبلت ، وأن تنفيذ المعاهدة يتوقف على قبول هذهِ الدول ، خير مثال على ذلك ؛ ميثاق الأمم المتحدة الذي نص في الفقرة الثالثة من المادة العاشرة
22
بعد المائة ، على أن الميثاق يوضع موضع التنفيذ متى ودعت تصديقاتها الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وأغلبية الدول الأخرى الموقعة عليها.
ومن الملاحظ أيضا في المعاهدات متعددة الأطراف أنها تنص على أن تنفيذ المعاهدة يبدأ بعد فترة معينة من إيداع عدد معين من التصديقات ، مثال ذلك؛ اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات ، نصت في المادة 84 على أن تنفيذ هذهِ المعاهدة بعد انقضاء ثلاثين يوما من تاريخ إيداع الوثيقة الخامسة والثلاثين للتصديق أو الانضمام .
أما بالنسبة للدول التي تنضم إلى المعاهدة بعد دخولها دور النفاذ ، فأن المعاهدة لا تكون نافذة فورا بمجرد انضمامها ، وإنما يكون بعد مرور فترة زمنية معينة ، وقد نصت على ذلك معظم المعاهدات والاتفاقيات متعددة الأطراف ، من ذلك اتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب لسنة 1949 جعلت نفاذ المعاهدة بالنسبة للدول المنظمة بعد مضي ستة أشهر من إيداعها وثيقة الانضمام ، وأن الحكمة من ذلك هي إعطاء الفرصة للمسؤولين لإعلام بقية الدول الأعضاء بهذا الانضمام .
رابعا/ تنفيذ المعاهدات داخل الدول: هل تعتبر المعاهدة النافذة دوليا ، نافذة بصورة تلقائية داخل الدول ، تسري في مواجهة الأفراد والمحاكم ، أم يقتضي نفاذها إتخاذ اجراء تشريعي داخلي كنشرها أو إصدارها في شكل قانون ؟
في الواقع أن حل هذهِ المسألة يرجع إلى القانون الداخلي لكل دولة ، فهناك دول تنص دساتيرها على اعتبار المعاهدات في حكم القانون بتمام إبرامها دون الحاجة إلى تشريع داخلي ، ويكون للمعاهدات قيمة قانونية ملزمة في مواجهة الأفراد والمحاكم تساوي قيمة التشريع الداخلي ، هذا في حالة ما إذا كانت المعاهدة ذاتية النفاذ أي التي تكون بطبيعتها أو بمقتضى نص صريح فيها ، لا تحتاج إلى تشرع لجعلها سارية المفعول في المجال الداخلي ، أما إذا كانت المعاهدة لا ذاتية النفاذ فلا بد لتنفيذها من صدور تشريع خاص ، وهناك دول أخرى تنص دساتيرها على وجوب اتخاذ إجراءات تشريعية داخلية حتى تصبح المعاهدة سارية المفعول في المجال الداخلي .
خامسا/ التنازع بين المعاهدة والتشريع الداخلي : أن تنفيذ المعاهدات داخل الدول قد يؤدي في بعض الأحيان إلى حصول التنازع بين أحكام المعاهدة التي ترتبط بها الدولة وبين أحكام تشريعها الداخلي ، فقد تنظم المعاهدات حالات لم يسبق للقانون الداخلي تنظيمها ، وقد تعني بتنظيم حالات سبق أن نظمها قانون داخلي ، وفي هذهِ الحالة قد تتفق أحكام القانون الداخلي وأحكام المعاهدة الدولية ، وقد يكون بين إحكام كل منهما تناقض أو تعارض ، فأي طريق يسلك القاضي الوطني إذا وجد أمامه نصا في القانون الداخلي يتعارض مع نص وارد في معاهدة عقدتها دولته ، أيطبق القانون أم يطبق إحكام المعاهدة؟
في الواقع أن حل المسألة التنازع بين المعاهدة والقانون الداخلي العام أمام المحاكم الوطنية يتوقف على وجود نص دستوري يقضي بتغليب المعاهدات على القانون الداخلي أو انعدامه.
آ- في حالة وجود نص دستوري : أن دساتير بعض الدول تنص صراحة على تغليب المعاهدات على القوانيين الداخلية ، ففي فرنسا تتغلب المعاهدات منذ نشرها طبقا للمادة 55 من دستور عام 1958 على القوانيين الداخلية الفرنسية .
ب- في حالة عدم وجود نص دستوري : يجب التمييز بين حالتين ، الأولى: أن يكون التشريع سابقا على المعاهدة ، والثانية: أن يكون التشريع لاحقا لها ، ففي الحالة الأولى ؛ لا يلقى القاضي الوطني أي صعوبة إذ يطبق نصوص المعاهدة ويهمل القانون الداخلي ، وذلك بالاستناد إلى المبدأ الذي يحكم تنازع القوانيين من حيث الزمان ، أي مبدأ نسخ القانون السابق بالقانون اللاحق ، وبما أن المعاهدة من حيث القوة تعادل القانون فتعتبر في هذهِ الحالة بمثابة قانون جديد ينسخ القانون القديم ، أما الحالة الثانية؛ إذا كان التشريع لاحقا للمعاهدة ، فأن القاضي الوطني يميز بين حالتين : حالة سكوت أو غموض التشريع اللاحق حيث موقفه من المعاهدة ، وحالة ثبوت نية المشرّع بوضوح وصراحة في مخالفة بنود المعاهدة السابقة ، ففي حالة سكوت التشريع أو غموضه يفترض القاضي الوطني ، أن المشرّع لم يقصد مخالفة المعاهدة السابقة بل أنهُ أراد ضمننا الاحتفاظ بها وتطبيقها إلى جانب تطبيق أحكام التشريع اللاحق ، ومن ثمَ يسعى القاضي للتوفيق بين المعاهدة والتشريع اللاحق على أساس النية المفترضة للمشرّع ، لأنها غير واردة في هذا الصدد ، فيضطر القاضي الوطني أن يطبق التشريع اللاحق ويهمل أحكام المعاهدة السابقة ، وأن أدى ذلك إلى أن تتحمل دولته تبعية المسؤولية الدولية المترتبة على الإخلال بالمعاهدة.
23
الفرع الرابع : أثر المعاهدات
تحدث المعاهدات أثرها أولا بين الدول الأطراف فيها ، وقد يمتد أثرها في بعض الحالات إلى دول لم تشارك في إبرامها .
أولا / أثر المعاهدات بالنسبة لأطرافها :
آ- الالتزام بتنفيذ المعاهدة : المعاهدات لها قوة القانون فيما بين أطرافها ، فهي تلزم جميع الدول التي صدقت عليها أو أنضمت إليها تطبيقا للقاعدة العامة التي تقضي بأن (العقد شريعة المتعاقدين) على أطراف المعاهدة أن يتخذوا الاجراءات الكفيلة بتنفيذها ، فأن قصروا في القيام بهذا الالتزام ترتبت عليهم تبعة المسؤولية الدولية ، وقد أكدت هذا المبدأ أتفاقية فيينا في المادة 26 بقولها ( كل معاهدة نافذة تكون ملزمة لاطرافها وعليهم تنفيذها بحسن نية ) وعليه لا يجوز لأحد أطراف المعاهدة أن يحتج بقانون الداخلي لكي يتحلل من الالتزامات التي تفرضها المعاهدة علية ، وقد أشارت إلى ذلك أتفاقية فيينا في المادة 27 .
ب- النطاق الأقليمي لتطبيق المعاهدات الدولية : القاعدة العامة المقررة في ذا الصدد ، هي أن المعاهدة إذا أصبحت نافذة فأنها تصبح واجبة التطبيق على كافة أقاليم كل الدول الأطراف فيها ، إلاّ إذا نصت المعاهدة صراحة على خلاف ذلك ، وقد أكدت أتفاقية فيينا ذلك في المادة 29 ، إلاّ أنهُ في بعض الأحيان تنص المعاهدة على عدم سريانها على هذا الجزء أو ذلك من أقليم الدولة أو على سريانها مناطق معينة ويكون ذلك بمقتضى شرط صريح فيها ، من ذلك مثلا؛ معاهدات المساعدة المتبادلة التي تحدد الأقاليم التابعة للدول الأطراف التي تستفيد من نظام المساعدة.
ج- تطبيق المعاهدة من حيث الزمان : عدم رجعية المعاهدات : الأصل في القانون الدولي العام شأنهُ شأن القانون الداخلي ، هو عدم رجعية القواعد الدولية وخاصة المعاهدات الدولية، بمعنى أن قواعده لا تسري إلاّ على الحالات والعلاقات التي تنشأ بعد نفاذها دون أن تنسحب على العلاقات والمراكز التي تمت في الماضي ، وقد أكدت اتفاقية فيينا على مبدأ عم رجعية المعاهدات في المادة 28 منها ، قد جرى النص على هذا المبدأ في المعاهدات الدولية لا سيما في معاهدات الإحالة على التحكيم أو التسوية القضائية ، كما أن المحاكم الدولية قد أكدت على هذا المبدأ في العديد من الإحكام التي أصدرتها ، هذا هو المبدأ ، إلاّ أن هناك استثناءات نصت عليها العديد من الاتفاقات الخاصة بتقرير التعويض وفقا لقواعد المسؤولية الدولية ، نذكر من ذلك الاتفاقية الألمانية الأمريكية المعقودة في برلين عام 1922 بصدد أنشاء هيئة للفصل في تعويض ألمانيا للولايات المتحدة الأمريكية على ما لحقها من أضرار خلال الحرب العالمية الأولى .
ثانيا/ أثر المعاهدات بالنسبة للغير : تقضي القاعدة العامة بأن المعاهدات الدولية لا تلزم إلاّ عاقديها ، ولا يمتد أثرها إلى دول ليست طرفا فيها ، وهذا ما يطلق عليه ( مبدأ نسبية المعاهدات) فالمعاهدة حسب هذا المبدأ لا تكون مصدر حق أو ألتزام للغير ، وقد أكد القضاء الدولي هذا المبدأ في العديد من الأحكام التي أصدرها من ذلك القرار الذي أصدرتهُ محكمة العدل الدولية الدائمة في 25 آيار عام 1926 في قضية شورزو بين ألمانيا وبولونيا من أن ( المعاهدة لا تنشيء حقوقا إلاّ بين الدول الأطراف فيه) وقد تبنت أتفاقية فيينا هذا المبدأ بنصها في المادة 34 على أن : ( المعاهدة لا تنشىء حقوقا أو ألتزامات للدول الغير دون رضاها) هذا هو المبدأ غير أن هناك أستثناءات ترد على هذا المبدأ ، فقد يحصل أن تستفيد دولة من معاهدة ليست طرفاً فيها ، من ذلك:
آ- شرط الدولة الأكثر رعاية : تنص بعض المعاهدات الاقتصادية والتجارية والملاحة والقنصلية والكمركية ، وكذلك أتفاقات أقامة الأجانب وأتفاقات العمل ، وعلى أساس التعامل بالمثل ، على شرط الدولة الأكثر رعاية ، وهو أن تتعهد الدولتان بأن تسمح كل منهما للأخرى بالاستفادة من أي أمتياز تمنحهُ في المستقبل لدولة أو دول غيرهما بالنسبة لأمر من الأمور ثم التعاقد بينهما عليه ، فإذا اتفقت أحدى الدولتين النتعاقدين بعد ذلك مع دولة ثالثة على منحها حقوقا أو امتيازات لم ترد في المعاهدة المعقودة بينهما ، كان للدولة الثانية الطرف في هذهِ المعاهدة الحق في الأستفادة من هذهِ الحقوق والمزايا استنادا إلى الشرط المذكور أو بعبارة أخرى ، كان لها أن تستفيد من أتفاق ليست طرفا فيه ودون أن تنظم لذلك.
ب- الاشتراط لمصلحة الغير : يجيز القانون الداخلي للغير ، اكتساب الحقوق بمقتضى عقود لم يكن طرفا في عقدها ، ويثور التساؤل : حول ما إذا كان القانون الدولي قد عرف هذا النظام ، وأذا كان قد عرّفهُ فهل يشترط قبول
24
الغير بالحقوق التي ترتبها المعاهدة ، وهل لهُ أن يتمسك بالمعاهدة التي لم يكن طرفاً فيها إذا ما تم تعديلها أو إلغاؤها دون الحصول على رضاه المسبق ؟
لقد أجابت محكمة العدل الدولية الدائمة على هذا التساؤل في الحكم الذي أصدرتهُ في 7 حزيران عام 1932 في النزاع الفرنسي السويسري في قضية المناطق الحرة والذي جاء فيه ( إذا كان من المتعذر القول بأن المعاهدات التي تقرر أحكاما لصالح دولة أو لعدة دول ليست طرفا فيها ترتب لهم بالضرورة (حقوقا) بالمعنى الدقيق ، إلاّ أنهُ هناك ما يمنع من أن تتجه إرادة أطراف المعاهدة من ترتيب مثل هذا الأثر ، بمعنى (أن ترتب للدول الغير حقوقا مكتسبة ناشئة عن هذهِ المعاهدة التي لم يكن طرفا فيها ، واستخلاص ما إذا كانت الدول الأطراف قد قصدت أنشاء حقوق بالمعنى الدقيق لصالح الدول الغير يتوقف على ظروف كل حالة على حده ) وقد وجدت المحكمة من ظروف قضية المناطق الحرة أن معاهدة فيينا ترتب حقوقا بالمعنى الدقيق لصالح سويسرا ، فقررت ( بعدم إمكان النيل من حقوق سويسرا دون رضاها)، وقد تبنت اتفاقية فيينا ما قضت به محكمة العدل الدولية الدائمة في المادة 36 منها .
ج- المعاهدات التي ترتب التزامات على عاتق الغير :القاعدة العامة المقررة في هذا الصدد ؛ هي أن المعاهدات تنشىء التزامات على عاتق الدول الغير ، لا يمكن أن تسري في مواجهتها بدون رضاها وقد بينت اتفاقية فيينا ذلك في المادة 35 ، لا بد إذا من اتفاق أضافي بين الدولة التي تلتزم بمعاهدة ليست طرفا فيها وبين مجموعة الدول الأطراف فيها يمثل الأساس الإرادي لالتزام الدولة الغير من ناحية ، كما أن إلغاء أو تغيير هذهِ الالتزامات لا يتم برضا الدول الأطراف والدولة الغير من ناحية أخرى .
د – المعاهدة المنظمة لأوضاع دائمة : تلتزم الدول كافة باحترام المبادئ الواردة في المعاهدات الشارعة المنظمة لأمور تهم المجتمع الدولي إذا ما استقرت هذهِ المبادئ في العرف الدولي، من ذلك حالات الحياد الدائم لبعض الدول ، كمعاهدة فيينا لسنة 1815 التي فرضت حياد سويسرا الدائم ، فإن نظام الحياد لا يفرض نفسه على الدول الموقعة على معاهدة الحياد فحسب ، ولكنهُ يسري بمواجهة جميع الدول ، فهذهِ المعاهدات ينصرف أثرها للغير باعتبار أنها تتفق مع الصالح العام للجماعة الدولية ، وأنهُ في مقدور الدول التي شاركت فيها أن تلتزم باحترامها ، مثال ذلك؛ المادة الثانية فقرة 6 من ميثاق الأمم المتحدة فقد نصت على أن تعمل الهيئة على أن تسير الدول غير الأعضاء فيها على مبادئ الأمم المتحدة بقدر ما تقتضيه ضرورة حفظ السلم والأمن العالمي .
هـ - الانضمام اللاحق : يفرق الشُراح بين المعاهدات المقفلة والمعاهدات المفتوحة ، والمعاهدات المقفلة هي التي لا تحتوي على نص يبيح أنضمام الدول الأخرى إليها ومن ثم يكون من اللازم لانضمام الغير حصول مفاوضات مع أطراف المعاهدة الأصليين وقبولهم لهذا الانضمام ، أما المعاهدة المفتوحة فهي التي تحوي نصا يبيح انضمام الغير إليها أو قبولها لها ويكون من حق كافة الدول الانضمام للمعاهدات الجماعية العامة إلاّ إذا نصت المعاهدة على خلاف ذلك .
الفرع الخامس/ تفسير المعاهدات
أن تفسير المعاهدات ، مثل ؛ تفسير أي نص قانوني يقصد به الوقوف على المعنى الذي تتضمنهُ نصوصها وإلى تحديد نطاق النصوص الغامضة أو المبهمة ، وسنبحث فيما يلي نبحث السلطة المختصة بالتفسير ووسائل التفسير :
آ- السلطة المختصة بالتفسير : أن تفسير المعاهدات يمكن أن تثار على الصعيدين الدولي والداخلي .
أولا : على الصعيد الدولي : أي على صعيد العلاقات بين الدول الأطراف في المعاهدة ، فأن التفسير يتم بطريقتين :
1- باتفاق الدول الأطراف وذلك أما صراحة بعقد أتفاق تفسيري يتخذ شكل الاتفاق المبسط أو بتبادل الكتب أو المذكرات أو برتوكول يلحق بالمعاهدة .
2- عن طريق القضاء الدولي : في حالة عدم توصل الدول الأطراف إلى أتفاق على التفسير فأن ذلك يؤدي إلى نشوء نزاع دولي يمكن تسويته بكافة وسائل تسوية المنازعات الدولية ، وبصورة خاصة بالوسائل القضائية بعرض الخلاف على التحكيم أو محكمة العدل الدولية لأن المنازعات المتعلقة بتفسير المعاهدات تعتبر منازعات قانونية وتدخل بالتالي في صميم اختصاص القضاء الدولي .
25
ثانيا/ على الصعيد الداخلي : أن التفسير الداخلي يتم بطريقتين :
1- بواسطة السلطة التنفيذية : أي الجهاز الذي عقدَ المعاهدة هو الذي يختص بتفسيرها ، أما بناء على طرف الطرف الثاني وغن طريق الإحالة إليها من المحاكم الداخلية .
2- بواسطة السلطة القضائية : أن معظم الدول لا تسمح لقضائها الداخلي بالتعرض لتفسير المعاهدات إلاّ في حالات الفصل في الدعوى المطروحة والمتعلقة بمصالح الأفراد لئلا يؤدي ذلك إلى التدخل في أعمال الحكومة أو أنتقاد الدول الأجنبية ولو بصورة غير مباشرة .
ب- وسائل التفسير : أستخلص التحكيم والقضاء الدوليين مجموعة من القواعد في تفسير المعاهدات ، دونتها اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات في المواد 13، 32، 33 ونعرض فيما يلي لشرح هذهِ المواد الثلاث .
أولا : المبادئ المتبعة في تفسير المعاهدات الدولية: تضمنت الفقرة الأولى من المادة 31 من اتفاقية فيينا المبادئ الواجب أتباعها عند تفسير معاهدة ما فقررت ( تفسر المعاهدة بحسن نية طبقا للمعنى العادي لألفاظ المعاهدة في الإطار الخاص بها وفي ضوء موضوعها والغرض منها) ، ويتضح من هذا النص أن هناك أسساً ثلاثة ينبغي الاستناد إليها في عملية التفسير ، هي :
1- تفسير المعاهدة وفقا لمبدأ حسن النية : بقضي مبدأ حسن النية بالبحث عن الأمور التي أرادت الأطراف قولها حقيقة ، وقد أكد معهد القانون الدولي ذلك في القرار الذي أتخذه في دورة انعقاده في 19 نيسان 1956 من أن : ( تفسير نصوص المعاهدة يجب أن يكون بموجب حسن النية ) كما أن القضاء الدولي قد أكد هذا المبدأ ، من ذلك نذكر حكم محكمة العدل الدولية الدائمة الصادر في 25 آيار 1926 في قضية المصالح الألمانية في سليسيا العليا البولونية .
2- تفسير المعاهدة طبقا للمعنى العادي لألفاظها: أن أغلب المنازعات التي تثار عند تطبيق المعاهدات منشؤها الاختلاف بين الأطراف في تقدير الألفاظ واصطلاحات التي تتضمنها المعاهدة ، ولتوضيح معنى الالفاظ ، فأن أتفاقية فيينا تقضي بأن تكون طبقا للمعنى العادي وهذا يعني أن النص إذا كان واضحا ومعناه مألوفا فيجب الوقوف عند هذا المعنى دون محاولة التوسع في التفسير عن طريق أعطاء الألفاظ معاني أخرى غير معتاد عليها ، إلاّ إذا ثبت أن نية الأطراف قد اتجهت إلى ذلك ولقد أكد معهد القانون ذلك في دورة انعقاده في كريناد عام 1956 ، كما أن القضاء الدولي قد أشار في العديد من الأحكام التي أصدرها إلى تفسير الألفاظ طبقا للمعنى العادي أو الطبيعي .
3- تفسير المعاهدات في الإطار الخاص بها : يقصد يذلك أنهُ ينبغي الا تفسر نصوص المعاهدة كل نص على حده وكأنهُ مستقل عن باقي النصوص الأخرى ، وإنما ينبغي أن تكمل النصوص بعضها بعضا والا جاءت مبتورة المعنى غير مستقيمة الدلالة ، بعبارة أخرى أ تفسير النص يجب أن يبحث عنهُ في نطاق إطار المعاهدة بأكمله ( باعتبار أن نصوص المعاهدة جميعها تلقي ضوءا على المعنى المراد من النصوص وتفسير النص بمعزل عنها أن يؤدي إلى عدم إدراك المعنى الحقيقي أو التجاوز عن حقيقة الأهداف .
وقد درجت المحاكم الدولية والتحكيم الدولي على الأخذ بهذا المبدأ في العديد من أحكامها ، ويشمل الإطار الخاص بالمعاهدة كذلك على الديباجة التي تتضمن عادة بمادة الأسباب التي أدت إلى عقد المعاهدة والأهداف التي تبتغيها الأطراف المتعاقدة ، والمبادئ التي يلتزم الأطراف بمراعاتها ، وتعتبر الديباجة جزءا لا يتجزأ من المعاهدة وعلى المفسر أن يدخل في اعتباره ما هو ثابت في الديباجة من أهداف ومبادئ، وأظافة لما سبق ذكره ، فأن الإطار الخاص بالمعاهدة لغرض التفسير ، كما نصت على ذلك الفقرة الثانية من المادة 31 من اتفاقية فيينا يشمل إلى جانب نص المعاهدة بما في ذلك الديباجة والملخصات ما يلي :
- أي أتفاق يتعلق بالمعاهدة ويكون قد عقد بين الأطراف جميعا بمناسبة عقد هذهِ المعاهدة .
- أي وثيقة صدرت عن طرف أو أكثر بمناسبة عقد المعاهدة وقبلتها الأطراف الأخرى كوثيقة لها صلة بالمعاهدة .
26
ثانيا / الوسائل المكملة في التفسير : الأعمال التحضيرية :
تثير مسألة الرجوع إلى الأعمال التحضيرية للاستعانة بها في تفسير المعاهدات الدولية ، خلافا في الرأي بين فقهاء القانون الداخلي والدولي ، فعلى الصعيد الداخلي نجد الفقه اللاتيني يجيز الرجوع إلى الأعمال التحضيرية كوسيلة من وسائل التفسير ، بينما الفقه الأنكلوسكسوني يمنع الاستعانة بها لهذا الغرض ، وقد أنتقل نفس هذا الخلاف إلى نطاق القانون الدولي ، فبينما يجيز رأي الرجوع إلى الأعمال التحضيرية نظرا لما تؤدي إليه تلك الأعمال من أمكانية الكشف عن المقاصد الحقيقية لأطراف التعاقد ، وهذا يرجع لما تمثلهُ تلك الأعمال من مقدمة طبيعية تسبق تحرير المعاهدة ، وما تبينه من جهد في اختيار النصوص وصياغتها بما يتفق ومصالح الأطراف ، وبما يتلائم مع أهدافهم ، ومن ثم فأن الحكمة تقضي ضرورة الرجوع إليها للاستفادة منها بما تتضمنه من إيضاحات سبق أن أعرب عنها الأطراف عند تحديد حقوقهم والتزاماتهم ، بينما يمنع رأي آخر هذا الرجوع حرصاً على عدم إلزام الدول الأطراف في هذهِ الارتباطات القانونية بما لم تساهم به من هذهِ الأعمال ، أما القضاء الدولي فأنهُ يميل بوجه عام إلى الاعتماد على الأعمال التحضيرية لتحديد وتعيين المعنى القانوني إذا عجزت الوسائل السابقة الذكر عن تحقيق ذلك ، نذكر عن ذلك الحكم الذي أصدرتهُ محكمة العدل الدولية في عام 18 تموز 1966 في قضية جنوب غرب أفريقيا ، حيث أن المحكمة لم تتردد في اللجوء إلى أعمال مؤتمر الصلح لعام 1919 لتفسير الشرط القضائي الذي في وثيقة الانتداب ، أما اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات ، فقد جاءت مؤيدة لذلك حيث نصت في المادة 32 على أنهُ ( الالتجاء إلى وسائل مكملة في التفسير ؛ في ذلك للأعمال التحضيرية للمعاهدة والظروف الملابسة لعقدها وذلك لتأكيد المعنى الناتج عن تطبيق المادة 31 أو لتحديد المعنى إذا أدى التفسير وفقا للمادة 31 :
آ- بقاء المعنى غامضا أو غير صحيح .
ب- أو أدى إلى نتيجة غير منطقية أو غير معقولة .
ثالثا/ تفسير المعاهدات المحررة بأكثر من لغة : تحرر المعاهدات في الوقت الحاضر بلغات متعددة ، وكثيرا ما تختلف مدلولات ألفاظ هذهِ اللغات عن بعضها ، مما يثير الخلاف بين الأطراف حول تفسيرها غير أن مثل هذا الخلاف يمكن تلافيه في حالة اتفاق الأطراف على جعل أحدى اللغات التي حررت بها المعاهدة ، المرجع الذي يعول عليه عند حصول خلاف عند حصول خلاف حول تفسير نص من نصوص المعاهدة ، غير أن ما يجري عليه اعمل فعلاً ليس كذلك دائما ، إذ كثيرا مايتم تحرير المعاهدات الدولية بأكثر من لغة ، وينص صراحة على اعتبار جميع اللغات التي استعملت في تحرير تلك المعاهدة لها قوة رسمية متساوية ، فإذا كان هناك اختلاف في المعنى في مثل هذهِ المعاهدات نتيجة لاختلاف اللغات المستعملة ، فأن التفسير في هذهِ الحالة ، يجب أن يتم على أساس المعنى الضيق الذي يستجيب للمعاني المثبتة في النصوص المحررة باللغات المستعملة جميعا ، وقد أخذت محكمة العدل الدولية الدائمة بهذا المعنى في حكمها الصادر في 30 آب 1924 في قضية مافروماتيس ، حيث ذكرت فيه أنهُ ( في حالة وجود نص قانوني محرر بلغتين مختلفتين لها قوة رسمية متساوية ، ويبدو معنى أحدهما أوسع من الآخر ، فأنهُ ينبغي الأخذ بالمعنى الأضيق بأعتباره القدر المتيقن الذي يتفق مع النية المشتركة لأطراف المعاهدة) ، أما اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات ، فقد عالجت تفسير المعاهدات المحررة بأكثر من لغة في المادة 33 من المعاهدة .
27
تعديل المعاهدات :-
ان مشكلة تعديل المعاهدات كانت محل اهتمام الجماعة الدولية , وتتضمن المعاهدات في الوقت الحاضر نصوصا خاصة بالتعديل لذلك سنبحث اولا المبادي العامة , ومن ثم تعديل المعاهدات المتعددة الاطراف , واخيرا النصوص التي تضمنها اتفاقية فينا لقانون المعاهدات .
أولاً : المبادئ العامة .
في غياب النص الاتفاقي , اي في حالة عدم وجود نص في المعاهدة يبين طريقة تعديلها فان تعديل المعاهدة
يكون باتفاق الاطراف . فاذا كانت المعاهدة ثنائية فان اتفاقا جديدا يبرم وبموجبه تتفق الدولتان على استبدال
نص معلوم بنص جديد , او بعقد معاهدة جديدة تحل بكاملها محل المعاهدة السابقة . اما اذا كانت المعاهدة
متعددة الاطراف لولا يوجد نص معلوم يبين طريقة تعديلها , فان التعديل يتم وفقا لقاعدة اغلبية الثلثين . وقد
اكدت اتفاقية فينا ذلك في المادة 39 بنصها ( يجوز تعديل المعاهدة باتفاق الاطراف وتسري القواعد الواردة
في الباب الثاني على مثل هذا الاتفاق ما لم تنص المعاهدة على غير ذلك ) وهكذا فان الاتفاق المعدل وفقا لهذه
المادة يخضع للقواعد العامة المتعلقة بابرام المعاهدات , ومن الملاحظ ايضا ان هذا النص لا يلزم جميع
الاطراف الاشتراك في تعديل المعاهدة , وانما يتحدث عن الاتفاق بين الاطراف وليس الاتفاق بين جميع
الاطراف .
ثانياً : تعديل المعاهدات المتعددة الاطراف .
ان تعديل المعاهدات المتعددة الاطراف له اهمية خاصة , لانها تضع قواعد عامة تهم عددا كبيرا من الدول
ودون ان تحدد في الغالب لسريانها وان تعديلها يجب ان يكون تبعا للظروف والحاجة . وتتضمن المعاهدات
المتعددة الاطراف عادة نصوصا تبين الاجراءات التي تتبع في تعديلها , ومن كثير من الحالات تنص هذه
المعاهدات على تدخل المنظمات الدولية في اجراء التعديل , لذا سندرس تعدد المعاهدات بين اطرافها ومن ثم
تدخل المنظمات في اجراء التعديل .
أ – تعديل المعاهدات بين الدول الاطراف : -
القاعدة العامة هي ان الدول الاطراف في المعاهدة هم الذين يباشرون اجراء التعديل . الا ان الاحكام التي
تتضمنها هذه المعاهدات فيما يتعلق بتعديلها تختلف من معاهدة لاخرى .
1. بعض المعاهدات تمنع اجراء التعديل الا بعد مضي مدة من تطبيق المعاهدة , مثال ذلك اتفاقية مونترو لعام 1936 التي نصت في المادة 29 على عدم جواز اجراء التعديل الا بعد مضي خمس سنوات من تاريخ دخول الاتفاقية دور النفاذ .
2. بعض المعاهدات تنص على عقد مؤتمرات دورية كل خمس سنوات للنظر في المعاهدة وامكانية تعديلها من ذلك المادة 8 /3 من معاهدة حضر انتشار الاسلحة النووية المعقودة في 1 تموز عام 1968 .
3. بعض المعاهدات تخول جهة الايداع مهمة الدعوة الى عقد مؤتمر للتعديل . بناءا على طلب ثلاث دول الاطراف في المعاهدة من ذلك المادة الثانية من اتفاقية موسكو لعام 1963 حول حضر التجارب النووية .
4. ان اعتماد اتفاق التعديل ودخوله دور النفاذ يكون بالاغلبية . لكن هناك معاهدات تتطلب موافقة دول معنية لنفاذ التعدد , من ذلك المادة 8/2 من اتفاقية حضر انتشار الاسلحة النووية .
28
ب – تدخل المنظمات الدولية في اجراء التعديل :-
يجب التمييز بهذا الصدد بين ثلاثة انواع من المعاهدات .
1. المعاهدات التي تبرم تحت اشراف المنظمات الدولية :- المعاهدة التي تبرم تحت اشراف المنظمة الدولية تؤدي الى تدخل المنظمة في اجراء التعديل , من ذلك جميع اتفاقات تدوين القانون الدولي التي ابرمت تحت اشراف الامم المتحدة مثال ذلك اتفاقية جنيف الخاصة بالجرف القاري عام 1958 والتي نصت في المادة 13 على انه .
- بعد انقضاء خمس سنوات من تاريخ دخول هذه الاتفاقية دور التنفيذ يجوز لكل طرف متعاقد ان يطلب في اي وقت تعديلها باعلان كتابي يرساله الى سكرتير عام الامم المتحدة .
- تقرر الجمعية العامة للامم المتحدة الاجراءات اللازم اتخاذها بالنسبة لمثل هذا الطلب .
2. المعاهدات التي تبرم في المنظمات الدولية :- لتعديل اتفاقيات العمل الدولية مثلا , فان مجلس ادارة منظمة العمل الدولية هو الذي له حق اقتراح التعديل , ثم يتولى مؤتمر عام منظمة العمل الدولية اعداد واعتماد اتفاق التعديل .
3. المعاهدات المنشئة للمنظمات الدولية :- تنظم المعاهدات المنشئة للمنظمات الدولية بدقة جميع النواحي القانونية المتعلقة بتعديلها بما في ذلك آثارالتعديل . ويقتضي لتعديل مثل هذه المعاهدات توافر عنصرين هما : اتفاق اجهزة المنظمة الدولية من ناحية واتفاق الدول الاعضاء من ناحية اخرى . وتمر اجراءات التعديل بمرحلتين . الاولى , هي مرحلة التصويت على التعديل داخل الهيئة او المؤتمر . الثانية , هي مرحلة التصديق على اتفاق التعديل باعتباره شرطا لدخوله دور النفاذ . والنصوص التي تتضمنها هذه المعاهدات المتعلقة بتعديلها تختلف من معاهدة لاخرى الامر الذي يقتضي بيان ما يأتي :
- هناك معاهدات تميز بين التعديل واعادة النظر بالمعاهدة ككل . مثال ذلك ميثاق الامم المتحدة الذي نص في المادة 108 على تعديل الميثاق , وفي المادة 109 على اعادة النظر في الميثاق .
- هناك معاهدات تمنع اجراء تعديلها خلال فترة معينة , والهدف من ذلك هو تقرير نوع من الاستقرار للمنظمة . مثال ذلك معاهدة حلف شمال الاطلسي لعام 1949 التي قررت في المادة 12 عدم السماح بتقديم طلبات لتعديل المعاهدة الا بعد مضي عشر سنوات من دخول المعاهدة حيز التنفيذ .
- دخول التعديل دور النفاذ :
أ – التعديل بالاجماع : هناك معاهدات تتطلب اجماع الدول الاعضاء على التعديل حتى يمكن
تجنب اعتراض الدول على ما قد يطرأ من تعديلات لم توافق عليها واشتراط الاجماع
يتعلق عادة بسريان التعديل اذ يتعين تصديق الدول على التعديل حتى يسري في مواجهتها
مثال ذلك المادة 236 – 3 من معاهدة الجماعة الاوربية للفحم والصلب .
ب – التعديل باغلبية الثلثين : تأخذ معظم المعاهدات المنشئة للمنظمات الدولية بقاعدة اغلبية
الثلثين لاجراء التعديل الا ان هذا التعديل لايصبح نافذا الا اذا صدقت عليه ثلثا الدول
الاعضاء ومن امثلة ذلك مواثيق منظمة الصحة العالمية الوكالة الدولية للطاقة الذرية ,
منظمة العمل الدولية وغيرها .
ج – التعديل باغلبية معينة : مثال ذلك ميثاق الامم المتحدة الذي اشترط لنفاذ التعديل تصديق
الدول الخمس الكبرى عليه .
- اثر التعديل بالنسبة للدول التي لا تصدق عليها : تقسم التعديلات من حيث اثارها الى نوعين رئيسيين . تعديلات تلزم جميع الدول الاعضاء , وتعديلات لاتلزم الا الدول التي قبلته .
29
أ – التعديلات التي تلزم جميع الدول الاعضاء : تنص مواثيق بعض المنظمات الدولية على
سريان التعديلات على جميع الدول الاعضاء اذا ما صدقت عليها اغلبية الدول الاعضاء
ومن امثلة هذه المنظمات الامم المتحدة ( م-108 )
ب – التعديلات التي لاتلزم الا الدولة التي قبلته : تنص مواثيق بعض المنظمات الدولية على
عدم سريان التعديلات الا في مواجهة الدول التي صدقت عليها اي انها لاتلزم الا هذه
الدول . كما هو الحال في جامعة الدول العربية .
ج – الانسحاب وسحب العضوية : تنص بعض المواثيق على حق الدول التي لاتوافق على
التعديل من الانسحاب من المنظمة مثال ذلك المادة 19 من ميثاق جامعة الدول العربية
التي تجيز للدولة التي لاتقبل التعديل ان تنسحب عند تنفيذه
- تطبيق اجراءات التعديل : لقد جرى تعديل مواثيق العديد من المنظمات الدولية من ذلك ميثاق الامم المتحدة حي